تتمركز موضوعات ومضامين سورة العنكبوت حول موضوع العقيدة؛ وأصولها العظمى الوحدانية، والرسالة، والجزاء، والبعث، ويدور محور السورة حول الإيمان والابتلاء في هذه الحياة؛ لأن المسلمين وهم في مكة كانوا قد قاسوا جميع أنواع المحنة والشدة، فجاءت هذه السورة للحديث عن بعض القضايا الحساسة كالفتنة والابتلاء؛ وذُكِرت تلك الموضوعات مطولًا وخاصةً عند سرد بعض قصص الأنبياء.
موضوعات ومضامين سورة العنكبوت
سورة العنكبوت من السور المكية؛ ما عدا الآيات من الأية الأولى إلى الحادية عشر فهي مدنية، وهي إحدى السور المثاني، ويبلغ عدد آياتها تسعة وستون آية، وترتيبها بين سور القرآن الكريم السورة التاسعة والعشرون، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة العنكبوت تفصيلًا في:
اختبار الناس وجزاؤهم
بدأت سورة العنكبوت بالحديث عن ذلك الفريق من الناس الذي يعتقد أن الإيمان مجرد كلمة تُقال باللسان دون أن يتبعها عمل فضلًا عن المحن والابتلاءات التي يتعرض لها هؤلاء لها نظير إيمانهم، فالإيمان مقرون بالفتن، وعلى المؤمن الحق أن يصبر ويحتسب وينجو من تلك الفتن، بينما ضعف الإيمان هم من إذا نزلت بهم المحن انتكسوا من طريق الحق إلى حجيم الضلال، فارتدوا عن الإسلام، وكذلك كان مصير السابقين، وتلك سنة الله في الكون لكي يعلم الذين صدقوا من الكاذبين، وتتضمن الآيات تحذيرًا للذين يعملون السيئات حيث يعتقدون أن يفوتوا بأنفسهم من عذاب الله، وذلك الأمر لن يتحقق لهم بطبيعة الحال، فالله تعالى قد أعد يوم القيامة لجزاء جميع الخلائق، ووعد المؤمنين بتكفير ذنويهم ومضاعفة حسناتهم نظير ما كانوا يعملون في الحياة الدنيا. وذلك من قوله تعالى 🙁 الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2}) إلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ {7}).
التوصية بحسن معاملة الوالدين
يُعد هذا من المواضيع التي تناولتها السورة بشكل مختصر دون تفصيل، فقد وجهت آيات سورة العنكبوت إلى ضرورة الإحسان إلى الوالدين، وبيان أن هناك فرق بين الإحسان وطاعة الوالدين، فالإحسان أعم وأشمل وواجب في جميع الحالات، بينما الطاعة مقصورة على ما يوافق طاعة الله تعالى؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن جاهد الآباء أبنائهم على الشرك بالله تعالى؛ فليس لهما طاعة، وقد بينت الآيات جزاء المؤمنين الذين يتبعون أوامر الله تعالى. وذلك في قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9}.
بيان خسة المنافقين
انتقلت الآيات لتتحدث عن صفات المنافقين ممن يقولون آمنا، فإذا تعرضوا إلى الإيذاء، سارعوا بالعودة إلى الكفر، وهم بذلك يجعلون فتنة الناس كعذاب الله فساء حكمهم، وتعرض الآيات موقفهم المتناقض في حال جاء نصر الله تعالى، حيث يقولون أنهم كانوا مؤمنين وتلك الآيات من أعظم الآيات في فضح طبيعة المنافقين وضعاف الإيمان، ومن ثم تحدثت الآيات عن كفار قريش الذين قالوا للمؤمنين ارجعوا عن دينكم وسنحمل خطاياكم، وبينت عاقبتهم تحذيرا من اتباع خطاهم. من قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ …. {10} ) إلى قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {13}).
اقرأ أيضًا: فضل سورة العنكبوت
محنة الأنبياء ونصر الله لهم
تعرض سورة العنكبوت محنة الأنبياء وما كانوا يلاقونه من شدائد من أجل تبليغ رسالة الله تعالى، فتحدثت عن قصة نبي الله نوح مع قومه في قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {14}) ويُعتبر نوح عليه السلام من أولى العزم من الرسل، فقد عاش عمرًا طويلًا يعاني من تكذيب القوم له حتى جاءه نصر الله تعالى بإنقاذه ومن آمنوا معه وإغراق المكذبين.
تناولت سورة العنكبوت قصة نبي الله إبراهيم من قوله تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {16}) وقد تكرر ذكر تلك القصة في العديد من السور القرآنية الأخرى، حيث اعترض نبي الله إبراهيم عن عبادة الأصنام من دون الله وهي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، وبعدما تحدث إلى قومه كثيرًا وحاول إقناعهم ببطلان عبادتهم للأصنام، ما كان جوابهم إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه نصرةً لآلهتهم المزعومة، ولكن الله أنجاه من هؤلاء القوم الظالمين وآمن له لوط ووهب الله له إسحاق ويعقوب وكأفاه الله بأن جعل في ذريته الكتاب والنبوة بعدما قاسى المحن في الدنيا.
تحدثت سورة العنكبوت أيضًا عن المحنة التي تعرض لها نبي الله لوط من قوله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ {28}) حيث كان قوم لوط يأتون الرجال ويقطعون السبل ولا يتحرجوا من إيتان الفواحش في نواديهم، وبلغ من فحش هؤلاء القوم أنه عندما دعاهم نبي الله لوط أن يكفوا عن هذه المنكرات، لم يستجيبوا له، بل طالبوا بأن يُنزل عليهم عذابًا من السماء، ليحل عليهم العذاب ويُنجي الله لوط عليه السلام وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
عرجت سورة العنكبوت بشكل سريع على بعض قصص الأنبياء مثل شعيب وهود وصالح وموسى عليهم جميعًا السلام، وكلهم ممن امتحنهم الله تعالى بتكذيب الأقوام لهم لكنهم صبروا حتى آتاهم نصر الله تعالى. ويبدأ هذا الجزء من قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {36}) إلى قوله تعالى: ( … وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {45}).
مناقشة أهل الكتاب ومطالبهم التعجيزية
لما بيّن تعالى ضلال من اتخذ من دون الله أولياء وضرب المثل ببيت العنكبوت، أمر هنا في الآيات بالتلطف في دعوة أهل الكتاب للإيمان، ثم ذكر البراهين القاطعة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فقد طالبوا بنزول الآيات والمعجزات على رسول الله تعالى كما ظهرت المعجزات على يد الأنبياء السابقين، ورد الله على ذلك بأنه يكفي نبي الله محمد أن أنزل معجزة القرآن الكريم حيث يُعتبر ذلك القرآن رحمةً وذكرى للعالمين، وذلك من قوله تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.. {46}) إلى قوله تعالى : (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {55}).
حض المؤمنين على الهجرة عند التضييق عليهم
حثّت الآيات المؤمنين على الإسراع بالهجرة عندما يزيد التضييق عليهم من قبل المشركين وأعداء دين الله تعالى، وبينت الآيات ما أعده الله من جزاء للمؤمنين نتيجة احتمالهم للفتن وصبرهم وتوكلهم على الله تعالى. وذلك من قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56}) إلى قوله تعالى: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {59}).
إقامة الحجة على المشركين وبيان حال الدنيا والآخرة
خُتمت السورة الكريمة بإقامة الحجة على المشركين وذلك من خلال اعتزافهم بالله تعالى الخالق والرازق والذي يملك القدرة على الإحياء والموت، وبينت الآيات ذم الله تعالى لاغترار المشركين بالدنيا الفانية، وتوعدهم بالعقاب الأليم، في مقابل وعد المؤمنين بالنعيم في الآخرة لجهادهم في سبيل الله. من قوله تعالى : (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {60}) إلى قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}).
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة العنكبوت