تُعتبر سورة الروم السورة الثلاثين في ترتيب المصحف الشريف، وتتسم موضوعات ومضامين سورة الروم بما يتسم به القرآن المكي من خصائص مثل بيان نبوة النبي عليه الصلاة والسلام ومعجزاته، وذكر التوحيد وربوبية الله تعالى، وكما أن فيها مظاهر نعم الله -تعالى- على عباده بإبدال حزنهم إلى فرح.
موضوعات ومضامين سورة الروم
تعنى سورة الروم بقضايا العقيدة الإسلامية في إطارها العام وميدانها الفسيح والذي يتمثل في تدبر خلق الله تعالى لإثبات وجوده ووحدانيته مع التأكيد على أن الأمر كله لله. وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الروم تفصيلًا في:
الإخبار عن غيب المستقبل
ابتدأت السورة بالتنبؤ بحدث غيبي هام أخبر عنه القرآن الكريم قبل حدوثه ألا وهو: انتصار الروم على الفرس في الحرب التي ستقع بينهما قريبا، وقد تحققت النبوءة وظهر صدق الوحي، وهذا من أعظم معجزات القرآن الكريم، كما اشتمل هذا الموضوع على تأكيد حقيقة ارتباط كل ما هو موجود وما وُجد وما سيوجد بالله -تعالى-، فالله -تعالى- وحده المُتحكّم بماضي البشر وحاضرهم ومستقبلهم، وهو مدبّر الأمر كلّه، وذلك من قوله تعالى: (الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2}..) إلى قوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7}) .
التدبر في الخلق والإيمان بالله تعالى
دعت آيات سورة الروم إلى ضرورة التدبر فيما خلق الله تعالى، وعلى الإنسان أن يبدأ التدبر بنفسه، فإذا تفكر الإنسان كيف خلقه الله من العدم وأوجده في هذه الحياة، أدرك أن الله تعالى قادرًا على أن يُميته ويُحييه مرة أخرى يوم القيامة لكي يُحاسبه على جميع أقواله وأفعاله في الحياة الدنيا.
كما يجب التدبر في خلق السماوات والأرض مع السير في الأرض حتى ينظر الإنسان كيف كانت عاقبة الذين من قبله، فلا يغتر بقوته، فقد كانت الأقوام السابقة أشد منه قوة وأكثر منه تعميرًا للأرض، وتُقر الآيات حقيقة أن الله تعالى لا يمكن أن يعذب دون أن يبعث رسولًا إلى الناس، وأنه لا يظلم الناس، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وتُوضح الآيات مصير الناس يوم القيامة، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضة يحبرون، بينما الذين كفروا وكذبوا الرسالات وأنكروا البعث ولقاء الآخرة فلهم أشد العذاب نظير تكذيبهم. وذلك من قوله تعالى ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ… {8}) ، إلى قوله تعالى : (….فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {16}).
تنزيه الله تعالى وبيان أدلة وحدانيته
ذكرت الآيات الأدلة على توحيد الله -تعالى، وتفرده واستحقاقه للعبودية، وبيان عظمته وقدرته وإعجازه في خلقِ الرياح والسحاب، وإنزال المطر، وإحياء الأرض بإنبات النبات، فهو وحده الذي له ما في السماوات والأرض كل له قانتون؛ ولذلك فهو قادر على البدء والإعادة ولا يُعجزه شيء فهو العزيز الحكيم. ويتضح ذلك من قوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17}) إلى قوله تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {27}).
بطلان الشرك والأمر بإتباع الإسلام
تُوبخ الآيات المشركين لعبادتهم غير الله مع أنه هو وحده الخالق والرازق، وقد استخدم القرآن الكريم أسلوب ضرب الأمثال فسأل المشركين هل لهم مما ملكت أيمانهم من شركاء فيما رزقهم الله تعالى، والغرض من هذا السؤال التأكيد على اتباع المشركين لأهوائهم مع تحذيرهم من أنهم لن يجدوا لهم نصيرًا يمنعهم من عذاب الله.
حثت الآيات على التمسك بدين الإسلام؛ باعتباره الدين القويم، الذي لا يقبل سبحانه من عباده دينًا غيره؛ لأنه دين فطر الله الناس عليه، ومن ابتغى غيره ديناً، فقد حاول تبديل ما خلق الله، وأنى له ذلك؛ إذ لا تبديل لخلق الله. وذلك من قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء… {28}) إلى قوله تعالى ( ..مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {32}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة التوبة
لجوء الناس لله عند الشدائد وإعراضهم عند زوالها
كشفت الآيات عن طبيعة الناس من تقلب حيث يلجأون إلى الله تعالى عند الشدائد وسرعان ما يعرضون عنه بمجرد زوال تلك الشدائد، كما صورت الآيات حال الناس في حالتي الرحمة والضر وعند بسط الأرزاق وقبضها، وقد بينت الآيات أن هذا التقلب لا يصلح أن تقام عليه الحياة، فيجب الارتباط بمعيار ثابت لا يدور مع الأهواء، وذلك من قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ…{33}) إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {37}).
الحث على الإنفاق في سبيل الله
حثّت سورة الروم على الإنفاق في سبيل الله تعالى وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه من اليتامي والمساكين وذوي القربى وذلك بعدما أكدت الآيات أن الرزق بيد الله تعالى يُعطيه من يشاء من عباده، وفي ذلك السياق حذرت الآيات بشدة من المال الحرام مثل الربا، فهذا المال لا يربو عند الله تعالى، ويجب الاستعانة على زيادة المال بالصدقات. وذلك من قوله تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {38}) إلى قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {40}).
جزاء المفسدين والمؤمنين
شنّع الله تعالى في الآيات الكريمة على المشركين في عبادتهم لغير الله، وذكر في هذه الآيات الأسباب الموجبة للمحنة والابتلاء وهي : الكفر، وانتشار المعاصي، وكثرة الفجور، وكل تلك الأمور التي تتسبب في قلة الخيرات ورفع البركة عن الناس، وقد أكدت الآيات أن الأمم السابقة كانت ذات خيرات أكبر ولكن شركهم تسبب فيما تعرضوا له من شدائد، وبعدها دعت الآيات إلى ضرورة اعتناق دين الله قبل فوات الآوان حيث لا ينفع الكفر كفره، بينما يكون العمل الصالح سببًا لدخول المؤمنين الجنة والتنعم في فضل الله.
يبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {41}) إلى قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {45}).
إثبات البعث بعد الموت
تضمنت الآيات العديد من الدلائل على وقوع البعث بعد الموت، وهي أيضًا أدلة على قدرة الله تعالى الذي يرسل الرياح مبشرات وجريان الفلك برحمة الله تعالى، وإحياء الأرض بعد موتها، فلا يكون عسيرًا على الله أن يُحيى الموتى بعد الموت، ويذكر الله تعالى في هذا السياق أطوار حياة الإنسان، فقد خلق الإنسان من ضعف ثم جعل من بعد الضعف قوةً ثم من بعد تلك القوة ضعفًا وشيبة، وهذه التغيرات التي تطرأ على الإنسان من أكبر الدلائل على البعث، وعندما يأتي يوم البعث لا تنفع المعذرة ولا العتبى.
وذلك من قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ … {46}) إلى قوله تعالى: (…فَيَوْمَئِذٍ لّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ {57}).
ضرب الأمثال للعبرة وأمر النبي بالصبر على الدعوة
تُختم سورة الروم ببيان أن ضرب الأمثال بهلاك الأمم السابقة يكون تنبيهًا للاعتبار بمن سبقهم من أمم كافرة، وأمرًا بالاستقامة في طاعة الله والمبادرة إلى الخيرات مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية السورة بالصبر؛ لأن وعد الله حق وقادم بلا ريب. وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ…{58}) إلى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ {60}).
اقرأ أيضًا: فضل سورة الروم