موضوعات ومضامين سورة التوبة

سورة التوبة هي سورة مدنية بأكملها، وعدد آياتها مئة وتسع وعشرون آية، وهي على خلاف بقية السور المنزلة، لم تبدأ كغيرها بالبسملة، واشتهرت هذه السورة بمسميات مختلفة وعديدة، منها: “التوبة، براءة، المقشقشة، الفاضحة، المنقرة”، وتتعدد موضوعات ومضامين سورة التوبة حيث أنها من السور السبع الطوال.

موضوعات ومضامين سورة التوبة

موضوعات ومضامين سورة التوبة

اهتمت سورة التوبة بالجانب التشريعي وهي من آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتمثل أهداف السورة في بيان القانون الإسلامي في معاملة المشركين و أهل الكتاب مع إظهار ما كانت عليه النفوس حينما استنفرهم الرسول لغزو الروم، أما بالنسبة إلى موضوعات ومضامين سورة التوبة فهي كالتالي:

نبذ العهد مع المشركين

ابتدأت السورة ببراءة من الله ورسوله من المشركين وعهودهم، وامتدّت الآيات بأسلوب تهكمي بتهديد المشركين وذكر قبائحهم آمرة المؤمنين بقتالهم، من قوله تعالى : (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ {1}) إلى قوله تعالى : (فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24}) والملاحظ أن الشدة في سورة التوبة إنما هي رحمة من الله تعالى لأنها تحث على التوبة وتفتح بابها حتى لأشد الناس كفراً ونفاقاً ومعصية، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بعباده مصداقاً لقوله تعالى في الحديث القدسي (لو خلقتهم لرحمتهم). وقد وردت كلمة (رحيم) تسع مرات في السورة وكلمة (غفور) خمس مرات.

غزوة حنين

تتحدث الآيات بعد ذلك عن غزوة حنين للتحذير من الاغتزار بالعدد ونسيان أن النصر من عند الله وحده، فالغرور والكبر من أسباب الهزيمة؛ لذلك ولى الكثير من المسلمين الأدبار لما حمي الوطيس، ولكن لما تجمع المسلمون حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتأدبوا وعلموا أن الله هو الناصر لهم، لا بكثرتهم ولا بسلاحهم، وإنما بقدرته وحده سبحانه، وأيّد قلتهم على إيمانهم الصادق وثبات العقيدة في قلوبهم، بالملائكة لتبث في قلوب المشركين الرعب، حيث نزلت الملائكة على هيئة نمل أسود يسيل في وادي حنين، تأييدًا من الله، وظهرت للكافرين على هيئة رجالٍ بيض يركبون الخيل ويلبسون عمائم حمر، تبث الرعب في قلوب المشركين ومن ثم تحقق النصر للمسلمين، وذلك من قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ {25} إلى قوله تعالى: (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {27}).

قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم

أثنت الآيات على المهاجرين المؤمنين الذين هجروا الديار والأوطان حباً في الله ورسوله، وحذر تعالى من ولاية الكافرين ذاكراً أن الانقطاع عن الأقارب واجب بسبب الكفر، ثم استطردت إلى تذكير المؤمنين بنصرهم في مواطن كثيرة ليعتزوا بدينهم، وعادت الآيات للتحذير من أهل الكتاب وموالاتهم، حيث وصفت رؤساء اليهود والنصارى بالتكبر والجشع والحرص على أكل أموال الناس لأنهم اتخذوا الدين مطية لنيل الدنيا وذلك نهاية الذل والدناءة، وذلك من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23}) إلى قوله تعالى : (هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ {35}).

تحديد الأشهر الحرم

حددت آيات سورة التوبة الأشهر الحرم الأربعة، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مُضَرَ الذي بين جُمادى وشعبان هذه الأشهر المباركة تكون الذنوب فيها أعظم من بقية أشهر السنة وحث الله تعالى فيها على عدم الوقوع في المظالم بقوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، وذلك لأن الاثم فيها مضاعف والأجر كذلك الأمر، وحكمة الله تعالى أنه يصطفي شيء من كل شيء ودليل على ذلك اصطفاءه من الملائكة رسل وكذلك من الناس،  ومن الأرض مساجدها، ومن الشهور شهر رمضان والأشهر الحرم. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ..{36} إلى قوله تعالى: (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {37})

مواقف المنافقين وجرائمهم الشنيعة

أتبعت الآيات ذلك بالحث على النفير العام وعدم التثاقل، وفي ذلك السياق ذكرت الآيات بعض أعمال المنافقين القبيحة من الكيد والمكر وإثارة الفتن بين المسلمين والفرح بأذاهم  ومحاولاتهم تشتيت كلمة المسلمين، كما تحدثت كثيراً عن مثالبهم وجرائمهم الشنيعة التي يأتي في مقدمتها إيذاءهم للرسول صلى الله عليه وسلم وإقدامهم على حلف الأيمان الكاذبة واستهزاءهم بآيات الله إلى غيرها من أفعال منكرة، أهمها فرارهم من القتال في سبيل الله وتثبيط المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، ولم تقتصر أفعالهم عن هذا الحد، فقد كانت لهم العديد من المكائد مثل  مسجد الضرار الذي بنوه ليكون وكراً للتآمر على الإسلام والمسلمين فجاءت الآيات تفضحهم وتشنع بأفعالهم أعظم تشنيع، وذلك من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ.. {38}) إلى قوله تعالى : (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {110}).

صفات المؤمنين وفضلهم

ذكرت الآيات صفات المؤمنين المجاهدين الذين باعوا أنفسهم لله تعالى فقاتلوا وقُتلوا إضافةً إلى قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم تناولت الآيات قصّة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وتوبة الله عليهم لأنهم كانوا مؤمنين حقاً. ويبدأ هذا القسم من قوله تعالى : (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ.. {111}) إلى قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون {127}).

علو مكانة النبي عليه الصلاة والسلام

خُتمت السورة بتذكير المؤمنين بالنعمة الكبرى التي أنعم الله تعالى بها عليهم ببعثة السراج المنير النبي العربي المرسل رحمة للعالمين وبيان عظم مكانته صلى الله عليه وسلم واقتصار مهمته على البلاغ. وذلك من قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ..{128}) إلى قوله تعالى : (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {129}).

اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة الأنعام

لطائف من سورة التوبة

تناولت سورة التوبة العلاقات التي تربط الناس ببعضهم وبربهم -جل في علاه-، وحدّدت دستوراً كاملاً لمعاملة المشركين والمنافقين، كما تحدثت عن أصناف المؤمنين، فمنهم من إيمانه خالص لله سبحانه، ومنهم من ملأ قلبه ظلمة النفاق، ففضحت هذه السورة المنافقين، وأثنت على من يتوب الله عليه ليتوب إليه، وينالُ رضاه، ومن أبرز اللطائف التي تميزت بها سورة التوبة:

اقرأ أيضاً: من هم الثلاثة الذين خلفوا في سورة التوبة

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version