سورة الإسراء هي إحدى سور المئين، وقد نزلت في السنة الحادية عشر من البعثة النبوية بمكة المكرمة؛ لذلك تدور معظم موضوعات ومضامين سورة الإسراء حول العقيدة؛ وبعضها عن قواعد السلوك الفردي والجماعي وآدابه القائمة على العقيدة، إلى شيء من القصص عن بني إسرائيل، وطرف من قصة آدم وإبليس وتكريم الله للإنسان.
موضوعات ومضامين سورة الإسراء
يُعتبر العنصر البارز في كيان هذه السورة، ومحور موضوعاتها الأصيل هو شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وموقف القوم منه في مكة. وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الإسراء في:
تنزيه الله تعالى
ابتدأت السورة بتنزيه لله تعالى لنفسه لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أنه أسرى بعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة وأراه آياته، قال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). وقد تكرر التنزيه والتسبيح في عدة آيات من السورة، فبجانب المطلع، ذُكر التنزيه مرة أخرى عند الحديث عن دعاوى المشركين عن الآلهة، حيث عقّب سبحانه بقوله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وعند حكاية قول بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}.
أحوال بني إسرائيل في التاريخ
تحدثت الآيات عن التوراة كتاب بني إسرائيل وما جاء فيها من أن الإفساد في الأرض واقع بسبب المعاصي، من قوله تعالى : (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً) إلى قوله تعالى : (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً).
شرف القرآن الكريم وإعجازه
بيّنت الآيات شرف القرآن الكريم وجلالته فيه بشرى للمؤمنين وإنذار للكافرين (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ …) كما تضمنت الآيات التأكيد على إعجاز القرآن الكريم، وأن البشر يستحيل عليهم أن يأتوا بمثله، {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، فالقرآن الكريم معجزة هذا الدين، ومعجزة نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس بمقدور أحد -مهما أوتي من علم- أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولا بشيء منه. وقد أوضحت الآيات الحكمة من إنزال القرآن على فترات، وليس دفعة واحدة، {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}، فغاية إنزال القرآن على دفعات؛ ليستوعب الناس أحكامه، وليكون أمامهم متسع من الوقت؛ ليطبقوا أوامره ويجتنبوا نواهيه؛ لذلك فإن سورة الإسراء من أكثر السور التي تحدثت عن شرف القرآن الكريم، فقد جاء ذكره في السورة أحد عشر مرة. نحو قوله سبحانه: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
تقرير مبدأ المسئولية الشخصية
قررت السورة مبدأ المسؤولية الشخصية، فكل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} فالإنسان إن عمل خيراً فلنفسه، وإن أساء فعليها، وثواب الاهتداء وإثم الضلال إنما يعود على الفرد نفسه ولن يغني عن غيره شيئاً كما أن غيره لن يغني عنه شيئاً، {مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، فطريق الهداية واضح وظاهر، أوضحه سبحانه لعباده عن طريق رسله وكتبه، وما على الإنسان إلا أن يسير في هذا الطريق، ويعرض عن غيره من الطرق.
سنن الله في الكون
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة سُنَّة إلهية، وهي أنه سبحانه لا يعذب عباده إلا بعد أن يرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ويقيم عليهم الحجة بالآيات التي تقطع عذرهم، قال سبحانه {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا}، كما تضمنت الآيات سُنَّة تتعلق بسلوك الإنسان عموماً، وهي أن الإنسان إذا أصابه ضراء وبلاء، لجأ إلى ربه وخالقه طالباً منه العون والنجاة، ثم إذا كشف الله عنه ما نزل به من ضرٍّ، إذا به يكفر بخالقه، ويُعْرِض عن هدي ربه، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا}.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الإسراء
توجيهات ربانية في المعاملات والأخلاق
تضمنت سورة الإسراء العديد من التوجيهات الربانية للإنسان في المعاملات والأخلاقيات العامة، فبعد التوحيد والإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة ولا معبود سواه {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} على الإنسان أن يُبالغ في الإحسان لوالديه، فلا يقل لهما آفٍ ولا ينهرهما مع الترحم بهما والتذلل إليهما، وبعد الإحسان إلى الوالدين جاء التوجيه الإلهي بضرورة إعطاء ذوي القربى والمساكين وأبناء السبيل حقوقهم، ونهت الآيات عن التبذير، فالمبذر هو أخو الشيطان، وعندما لا يكون الإنسان مقتدراً على الإنفاق، يجب عليه أن يتحلى بالذوق فلا يقل لصاحب الحاجة إلا القول الميسور، واشتملت التوجيهات الربانية على بعض المحظورات التي يجب تجنبها مثل النهي عن قتل الأولاد خشية الإملاق، والابتعاد كل البعد عن الزنا وسبله مع النهي عن قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، كما تضمنت نهياً عن التعدي على الحقوق مثل حقوق اليتامى أو حقوق الناس عند الكيل والميزان مع التحذير من الكبر ومن ثم عادت الآيات إلى ما بدأت به من التأكيد على ضرورة توحيد الله وعدم الإشراك به.
الرد على أوهام المشركين
دحضت آيات سورة الإسراء أوهام الوثنية الجاهلية حول نسبة البنات والشركاء إلى الله، وعن البعث واستبعادهم لوقوعه، وعن استقبالهم للقرآن وتقولاتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}، {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}، وكان من الأساليب القرآنية الفذة في الرد على شبهات المشركين بالإبطال والتفنيد ذكر بعض القصص للعظة والاعتبار مثل قصة آدم وإبليس فضلاً عن التذكير بنعم الله على عباده وكمال قدرته.
محاولة المشركين فتنة النبي
تناولت الآيات محاولة المشركين أن يفتنوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي حتى يفتري وحياً آخر غير ما أُنزل عليه: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} وتؤكد الآيات على تثبيت الله تعالى لنبيه أمام تلك المحاولات، فهذا هو دأب المشركين مع جميع الأنبياء والمرسلين السابقين. {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً}، كما بينت الآيات عناد المشركين الذي تمثل في اقتراحهم للآيات الحسية {وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا} وطلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم في بعض معتقداتهم، وإلحاحهم في ذلك.
آيات موسى عليه السلام
لما استعرضت الآيات الحجج والبراهين الأدلة على صدق النبي الأميّ وتعنت الكفار ورفضهم للدعوة واقتراحهم للخوارق المادية غير القرآن العظيم، ذكرت قصّة موسى وتكذيب فرعون له مع كثرة الخوارق والمعجزات التي ظهرت على يديه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتأكيداً على أن المشركين لن يؤمنوا مهما رأوا من الآيات. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا}.
الدعاء بأسماء الله الحسنى
خُتمت سورة الإسراء بالتوجيه إلى الدعاء بأسماء الله الحسنى ثم عادت الآيات إلى أولى الموضوعات التي بدأت بها السورة وهو تنزيه الله، فنفت عنه تعالى الولد والشريك والناصر والمعين، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، فالله سبحانه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
اقرأ أيضاً: أحاديث عن سورة الإسراء