سورة الليل من السور المكية التي نزلت على النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وتعد سورة الليل من أواسط المفصل، وموقعها في القرآن الكريم في الجزء الثلاثين السورة الثانية والتسعون، نزلت بعد سورة الأعلى، وآياتها إحدى وعشرين آية، وتعظم مقاصد سورة الليل وما تشتمل عليه من مضامين ولطائف.
مقاصد سورة الليل
تتمثل مقاصد سورة الليل الإجمالية في تأكيد هدي الله وسنته في إنفاق المال لتزكية النفس، مع الإشارة إلى اختلاف الناس في السعي مع اتحاد مقاصدهم، وهي الوصول إلى الملاذ من شهوة البطن والفرج وما يتبع ذلك من الراحة، واسمها الليل أوضح ما فيها على ذلك بتأمل القسم والجواب، والوقوع من ذلك على الصواب، وأيضا ليل نفسه دال على ذلك لأنه على غير مراد النفس بما فيه من الظلام والنوم الذي هو أخو الموت، وذلك مانع عن أكثر المرادات، ومقتضى لأكثر المضادات.
جاءت مقاصد سورة الليل التفصيلية بحسب ترتيب آياتها على النحو التالي:
مقاصد سورة الليل من الآية 1 حتى 11
يُقسم الله تعالى بالليل والنهار إنَّ عمل الناس مختلف بين خير وشر، فمن عمل خيرًا وصدَّق وآمن بالله تعالى فإنَّ الله سييسر أمره للخير، وأمَّا من بخل في العطاء وكذب بنعم الله تعالى فسوف يعسِّر ويضيِّق الله تعالى عليه، ولن ينفعه ماله ولن يغنيه عن الله شيئًا، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ}.
مقاصد سورة الليل من الآية 12 حتى 21
تشير هذه الآيات إلى أنَّ الحياة الدنيا والآخرة ملك لله تعالى وبأمره، وقد أنذر المشركين من نار جهنم وعذابها، وبعد هذا التحذير والإنذار لن يصلى النار ولن يذوقها إلَّا الشقي، وسوف يتجنبها التقي الذي ينفق من ماله في سبيل الله تعالى ومقصده رضا الله تعالى، وهذا من سيرضيه الله تعالى ويكرمه بكرمه، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ * فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الأعلى
موضوعات ومضامين سورة الليل
قال الإمام جلال الدين السيوطي عن سورة الليل بأنها تفصيل لما أُجمل في سورة الشمس فقوله {فأَمّا مَن أَعطى واتقى} وما بعدها تفصيل {قَد أَفلحَ مَن زكاها} وقوله: {وأَما مَن بَخِلَ واستغنى} تفصيل قوله {وقَد خابَ مَن دساها}.
إنّ الله تعالى خلق الخلق، وجعلهم بين الجبر والاختيار، فمجبر على الظّروف الزّمانيّة التي يعيش فيها كاللّيل والنّهار، والحياة والموت، ومخيّر في سعيه وعباداته، وسورة اللّيل كما سبق فإنّها تتحدّث عن السّعي المستمر للإنسان مع تبدّل اللّيل والنّهار، وعن مسألة الاختيار والتّكليف، فيذهب اللّيل ليأتي النّهار، ويموت إنسان ويولد آخر، والحياة مستمرّة والسّعي مستمر لا يتوقف، وهذا السّعي قد يختلف بين إنسان وآخر أو بين فئة وأخرى، ويستخلص من آيات سورة الليل:
التمييز بين سعيين للعبد
ميّز الله تعالى في سورة الليل بين سعيين للعبد، سعيٌ للعطاء وتقوى الله تعالى، وسعيٌ للبخل والاستغناء بنفسه عن الله تعالى، فمن سعى للعطاء والتّقوى فقد آمن قلبه وصدقت جوارحه، ومن سعى للبخل والاستغناء فقد كفر قلبه وكذبت جوارحه، وإنّ عطف التّقوى على العطاء، وعطف البخل على الاستغناء والذي يعني الكفر، يعطي دلالة قاطعة على أن هذا الدّين هو دين اجتماعيّ، ويصبّ في المصلحة الاجتماعيّة من الدّرجة الأولى، فهو ليس مجرّد شعارات ولا شعائر فارغة من الخير المادّيّ الموصول للنّاس بالبذل والتّضحية والعطاء.
تحقق التقوى بتحقق العطاء
إنّ التّقوى رهينة به، ولا تتحقّق التّقوى إلّا بتحقيق هذا العطاء، وذلك البذل والعمل والسّعي لتحقيق مصالح النّاس وقضاء حوائجهم، ولذلك يُكذّب القرآنُ الكريم كلّ من يتظاهر بالتّقوى والنّسك، دون أن يبذل ما بوسعه من الخير لقضاء حوائج النّاس والوقوف عند مصالحهم، تلك هي العبادة الصّحيحة، وذلك هو السّعي المشكور، وبذلك يُصحّح المفهوم عن هذا الدّين الحنيف، فعباداته وشعائره غير منفصلة عن معاملاته وأخلاقه، ولا يمكن أن تجتزأ أخلاقه ومعاملاته من شرائعه وعباداته.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الليل