سورة إبراهيم هي سورة مكية، كان نزولها بعد سورة الشورى وقبل سورة الأنبياء، وتتعدد موضوعات ومضامين سورة إبراهيم فهي من السور المثاني التي تناولت موضوع العقيدة، حيث يكاد يكون محورها الرئيسي هو الرسالة والرسل، فقد اشتملت على دعوة الرسل الكرام وتحدثت عنها بشيء من التفصيل، وبيّنت وظيفة الرسول كما وضحت معنى وحدة الرسالات السماوية، فالأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين جاءوا لتشييد صرح الإيمان وتعريف الناس بالإله الحق وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور.
موضوعات ومضامين سورة إبراهيم
يبلغ عدد آيات سورة إبراهيم اثنتين وخمسين آية، وقد جاءت موضوعات ومضامين سورة إبراهيم على النحو التالي:
منزلة القرآن الكريم و حجيته على الناس جميعا
ابتدأت السورة ببيان إعجاز القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على الرسول من أجل إخراج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية، ومن ثم انتقلت الآيات للحديث عن الله تعالى ومظاهر قدرته في الكون فهو مالك السماوات والأرض وما فيهما؛ ولذلك كان من الطبيعي أن تكون عاقبة الكفر بمالك هذا الكون الفسيح هي العذاب الشديد، فالكافرين استحبوا الحياة الدنيا وفضلوها عن الآخرة وصدوا عن سبيل الله ولم يتبعوا الرسل بل واستهزأوا بهم أشد الاستهزاء. ويظهر هذا الموضوع من بداية السورة حيث قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {1}) إلى قوله تعالى: (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {4}).
دعوة الرسل في الإخراج من الظلمات إلى النور
انتقلت الآيات بعد ذلك لتتحدث عن دعوة الرسل في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وقد اشتملت السورة على قصة موسى مع قومه عندما أمره الله تعالى بأن يُذكرهم بأيام الله، فدعا موسى قومه إلى أن يذكروا نعمة الله عليهم، فهو الذي أنجاهم من آل فرعون عندما كانوا يسومونهم سوء العذاب، وقد أقرت قصة موسى عليه السلام مع قومه حقيقة عظيمة، وهي أن الله تعالى يزيد من يشكر النعم، ويُعذب الكافرين بنعمه أشد العذاب مع التأكيد على أن الله تعالى غني عن الشكر حتى ولو كفر كل أهل الأرض. وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ {5}) إلى قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ {8}).
استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم
تحدثت الآيات بعد ذلك عن استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم فذكرت قصص الأنبياء نوح وهود وصالح مع أقوامهم، حيث قابلت الأقوام تلك الرسالات بالتنكير والتكذيب، ورغم أن الرسل كانوا حريصين على إقناعهم وذلك بأن دعوهم إلى التفكر في آيات الله وحثهم على الإيمان حتى يغفر الله لهم ذنوبهم، فما كان من هؤلاء الأقوام إلا أن قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ومن ثم تمسكوا بما كان يعبد آبائهم، وفي هذه إشارة إلى أنه ليس ضرورياً أن تكون العادات الموروثة عن الآباء والأجداد صحيحة دائماً، ومع استمرار التكذيب وتهديد الكافرين للرسل بالإخراج من الأرض، استفتح الرسل وطلبوا النصرة من الله تعالى، فخاب كل جبار عنيد، وهلك المكذبون فما نفعتهم أعمالهم في الآخرة حيث شبّهت الآيات أعمال الكفار برماد اشتدت به الريح في يومٍ عاصفٍ، وذلك تبيانا على زوالها وضياعها. وذلك من قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ {9}) إلى قوله تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ {18}).
المناظرة بين الرؤساء والأتباع
ذكرت الآيات المناظرة بين الرؤساء والأتباع، وذلك من خلال الحديث الذي وجهه الضعفاء للذين استكبروا، فقد طلبوا منهم أن يُغنوا عنهم عذاب الله، ولكنهم لم يُغنوا عنهم شيئاً لأنهم لا يستطيعون دفع الضرر عن أنفسهم ليدفعوه عن غيرهم، وبعد ذلك تضمنت الآيات نوع آخر من المناظر بين إبليس وبين البشر الذين اغتروا بإبليس واتبعوا ما يدعوهم إليه، وفي هذه المناظرة تأكيد على أن رؤوس الضلال يهربون من الأتباع، وكل واحد من الظالمين يُحاسب على أفعاله. من قوله تعالى: من قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ .. {19}) إلى قوله تعالى : (…إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {22}).
نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار
تستعرض الآيات النعيم الذي سيلقاه الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع توضيح مصير الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار حيث أنهم يدخلون جهنم؛ لقبيح فعلهم، فقد جعلوا لله أنداداً، وفي ذلك السياق تضمنت الآيات تشبيه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ذات الأصل الثابت والفرع الممتد إلى السماء بينما الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة لا قرار لها مع توجيه العباد إلى إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله قبل فوات الأوان. وذلك من قوله تعالى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا..{23}) إلى قوله تعالى: (…مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ {31}).
عظمة الله في الكون ونعمه على خلقه
تابعت الآيات الحديث بعد ذلك عن خالق هذا الكون وأوضحت العديد من مظاهر قدرته تعالى مثل خلق السماوات والأرض وإنزال الماء من السماء وإحياء الأرض الميتة وخروج النباتات بهذا الماء إضافةً إلى تسخير الشمس والقمر والليل والنهار، مع التأكيد على النعم الكثيرة التي أنعم الله بها على البشر والتي لا يُمكن إحصائها ولا حصرها. من قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.. {32}) إلى قوله تعالى: (…إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {34}).
نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته
اشتملت الآيات على نبأ أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ومبالغته في هدم الشرك والأوثان للاقتداء به واقتفاء أثر خطاه مع استعراض الدعاء الذي دعاه للبلد التي ترك فيها ابنه إسماعيل وزوجته هاجر فضلاً عن الدعاء بإقامة الصلاة والمغفرة له ولوالديه يوم الحساب، من قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ {35}) إلى قوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ {41}).
صور من مشاهد يوم القيامة
خُتمت سورة إبراهيم باستعراض بعضٍ من مشاهد يوم القيامة مثل الحديث عن موقف الظالمين يوم القيامة وما يعتريهم في ذلك اليوم من الذل والهوان، ومن المشاهد التي أخبرت عنها السورة أن الأرض والسماوات سوف تُبدل، كما سيُقرن المجرمون في الأصفاد وتغشى وجوههم النار، وكانت تلك الموضوعات التي اشتملت عليها السورة بمثابة بلاغ وتذكرة للناس حتى يتقينوا من وحدانية الله تعالى وقدرته على جزاء جميع الخلائق يوم الحساب. من قوله تعالى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42}) إلى قوله تعالى: (هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {52}).