تُصنف سورة البقرة باعتبارها أطول سور القرآن الكريم، وهي من السور ذات الثواب العظيم، عدد آياتها 286 آية، ولها الكثير من الفضل في قراءتها؛ ولذلك يجب علينا الإحاطة بكافة موضوعات ومضامين سورة البقرة فضلا عما تحتوي عليه آياتها من لطائف.
موضوعات ومضامين سورة البقرة
يتمثل هدف سورة البقرة الذي ترتكز عليه في استخلاف الإنسان في الأرض، كما تتضمن آياتها العديد من الموضوعات كالتالي:
أصناف الناس في العبادة
من قوله تعالى : (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2}) إلى قوله تعالى : (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {20}) بدأت السورة بالحروف المقطعة ( الم ) تـنبيهاً على إعجاز القرآن الكريم ، وتحدياً للمشركين بأن يأتوا بمثله ، وتحدثت عن صفات المؤمنين المتقين مقارنة إياها بصفات الكافرين الجاحدين، ثم تحدثت الآيات عن صفات المنافقين وبيان مدى زيغهم وضلالهم وبعدهم عن الحق عبر أمثلة قرآنية متعددة.
العبودية وأهميتها
من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ … {21} إلى قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {39}) بيّنت بعدها الدلائل والبراهين التي تدل على قدرة الله تعالى ووحدانيته ، مبرزة نعمة القرآن الكريم بأقوى بيان، ومن ثم ردّ الله تعالى بعد ذلك في الآيات على شبهة الكفار في قولهم حول ذكره تعالى النمل والبعوض ، وقولهم بأن ذلك لا يليق بكتاب سماوي، فبيّنت الآيات أنّ صغر الأشياء لا يقدح في فصاحة القرآن ولا في إعجازه مادام يشتمل على حكم بالغة وعظيمة، ويمتنّ تعالى في الآيات على العباد بنعمة الخلق والإيجاد، وبعدها يُخبرنا الله تعالى في الآيات التالية عن بدء خلق الإنسان، وتشريف آدم عليه السلام وتكريمه بجعله خليفة في الأرض، ثم ذكر تعالى قصّة أمر الملائكة بالسجود لآدم، وامتناع إبليس عن السجود، فضلاً عن عرض قصة نزول آدم عليه السلام وزوجه من الجنة للاعتبار وأخذ العظة.
الاستجابة وحقيقة العبودية
من قوله تعالى : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي… {40} إلى قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ {152})
تناولت السورة بعد ذلك الحديث بإسهاب عن أهل الكتاب، وبوجه خاص بني إسرائيل ( اليهود )، لأنهم كانوا مجاورين للمسلمين في المدينة، فنبّهت إلى مكرهم وخبثهم وما تنطوي عليه نفوسهم الشريرة من اللؤم والخبث والغدر و الخيانة ونقض العهود والمواثيق، فيما يقرب من جزء كامل وذلك لكشف خديعتهم.
ويتضمن الحديث عن بني إسرائيل الموضوعات التالية :
- بدأت الآيات بدعوة بني إسرائيل إلى الإيمان بخاتم الأنبياء والرسل بأساليب وطرق مختلفة تتراوح بين الملاطفة والتوبيخ.
- انتقلت الآيات للحديث عن نعم الله تعالى على بني إسرائيل والتي تستدعي شكر الله عليها، كما بينت لهم ألوان طغيانهم وجحودهم وكفرهم بالله وعصيانهم.
- تحدّثت عن معجزة السُّقيا كآية بارزة وظاهرة لسيدنا موسى عليه السلام، وبيّنت كفر بني إسرائيل وجحودهم رغم إتيانهم بالمعجزات والدلائل التي تدل على وجود الله تعالى كما ذكّرتهم الآيات بما حل بالأمم السابقة من عذاب عقابا لهم على كفرهم وعنادهم، وذلك تحذيرا لهم كي لا يزيغوا عن الحق مثلهم.
- تطرقت الآيات من خلال الحديث عن بني إسرائيل لقصة : “البقرة ” لتبين مدى جحودهم وكفرهم بآيات الله تعالى، وشبّهت قلوبهم بالحجارة، محذرة لهم بأن الله تعالى رقيب عليهم وسيحاسبهم.
- ذكرت الآيات ببعض قبائح بني إسرائيل: من تحريفهم للكتب السماوية ونكرانهم لعذاب الله تعالى، وبيّنت أن النار مصيرهم وأن الجنة مصير المؤمنين.
اقرأ أيضاً: آخر آيتين من سورة البقرة
شمولية العبادة في الحياة
من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {153} إلى قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253}).
خاطبت الآيات المؤمنين، وذكرتهم بنعمة الله تعالى عليهم ببعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، ودعتهم لشكر الله تعالى والاستعانة بالصبر والصلاة على كافة الابتلاءات، كما بيّنت الآيات أهمية الصفا والمروة، وأنهما من شعائر الله تعالى ومن واجب المسلمين تعظيم شعائره تعالى، ثم نبهت لوجوب نشر العلم وعدم كتمانه، وقد ذكرت الآيات أيضاً أدلة القدرة والوحدانية على وجود الله، داعية لشكره تعالى على نعمائه ،وتحدثت عن المشركين الذين يحبون شركائهم كحب الله وعن حالهم يوم القيامة ، ودعت للأكل من الحلال الطيب، ونهت عن كتمان العلم.
انتقلت السورة إلى الحديث عن جانب الأحكام التشريعية الفرعية فتحدثت عن:
- أهمية البر والتقوى، وانتقلت منه إلى حكم القصاص، وحكم الوصية للوالدين والأقربين، ثم أحكام الصيام وتحدثت عن أهمية الأهلّة في المواقيت.
- ضوابط القتال في الأشهر الحرم والمسجد الحرام، وعن أحكام الحج والعمرة.
- وجود فريقين اثنين: فريق الضلالة وفريق الهدى محذّرةً من اتباع الضلالة، وأنه لا بد من تنازع الخير والشر، لينتصر الخير في النهاية.
- تناول أحكام الجهاد في سبيل الله ردعاً للطغيان ومحاربة له.
- ضرورة إصلاح المجتمع الداخلي، وعن الأمراض الاجتماعية التي تنخر جسم الأمة، ثم انـنتقلت إلى شئون الأسرة فبينت حكم الخمر ، وأحكام النفقة، وأحوال اليتامى، وحكم نكاح المشركين والمشركات، وأحكام المحيض، وأحكام حنث اليمين.
استمرت الآيات تبين الأحكام الشرعية للمسلمين، فتحدثت عن أحكام الطلاق، والرضاع، وإذا حضر الإنسان الموت، وأحكام الخِطبة، ثم تابعت الآيات تأمر بالمحافظة على الصلوات ووجوب القنوت فيها لله رب العالمين، مبيّنة بعض الأحكام عند الوصية، وقدرة الله تعالى على الإحياء، وتابعت بدعوة للقتال في سبيل الله أعقبتها دعوة للإنفاق في سبيل الله.
أوضحت الآيات أحكام الجهاد وضربت الأمثلة بالأمم السابقة كيف جاهدت لنصرة الحق مع الاستشهاد بقصة اصطفاء طالوت على بني إسرائيل ، وعن تفضيل داود عليه السلام عليهم بالملك والنبوة، كما تحدثت عن تفضيل بعض الأنبياء على بعض ورغم ذلك فقد جاءوا جميعاً بدعوة واحدة هي الإيمان بالله تعالى وحده.
التعظيم أساس العبودية
من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ {254} إلى آخر السورة قوله تعالى (أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286})
تضمن هذا الجزء من سورة البقرة أعظم آيات القرآن الكريم وهي آية الكرسي؛ لما تحتويه من معاني التوحيد والعظمة للباري سبحانه وتعالى ثم بينت الآيات أن لا إكراه في الدين فالحق واضح والإثم على من عرف الحق ثم تركه، وقارنت بين المؤمنين والكافرين، مبيّنة أن الله تعالى يتولى المؤمنين بولايته الخاصة، وأن مردّ الكافرين إلى عذاب الله.
ذكرت السورة قصصا ثلاثا: الأولى في بيان إثبات الخالق الحكيم، والثانية والثالثة في إثبات الحشر والبعث بعد الفناء وذلك لأخذ العظة والاعتبار، وبعد ذلك بيّنت الآيات ضرورة الصدقة والإنفاق في سبيل الله مشجّعة على الصدقات، ومن ثم حذّرت الآيات من جريمة الربا التي تهدد كيان المجتمع وتقوض بنيانه ، وحملت حملة عنيفة شديدة على المرابين.
خُتمت السورة بتمجيد الله تعالى وبيان قدرته وشمول علمه وإحاطته بما في النفوس، وتحدثت عن إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالله تعالى وطاعتهم له، وختمت بتوجيه المسلمين إلى التوبة و الإنابة، والتضرع إلى الله تعالى برفع الأغلال والآصار، وطلب النصرة على الكفار، والدعاء لما فيه سعادة الدارين.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة البقرة