بعد سورة طه أنزل الله -سبحانه وتعالى- ملائكته على رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- بسورة الواقعة، وهي سورة من سور المفصل، نزلتْ في مكة المكرمة بواسطة الأمين جبريل -عليه السَّلام-، يبلغ عدد آيات سورة الواقعة ستًّا وتسعين آية، وهي السورة السادسة والخمسون في ترتيب سور المصحف، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الواقعة.
فوائد من سورة الواقعة
لا تصنَّف سورة الواقعة مع قصار سور القرآن الكريم ولا من طوال السور، فهي سورة متوسطة الطول، عدد آياتها 96 آية، ولهذا يمكن الحديث عن مقاصد سورة الواقعة بتقسيمها إلى مجموعة من الآيات، وفيما يأتي فوائد من سورة الواقعة بحسب تسلسل آياتها:
تناول آيات سورة الواقعة أحداث يوم الواقعة وهو يوم القيامة، وتسرد الآيات بعض علامات هذا اليوم، كرجِّ الأرض وبسِّ الجبال وانقسام الناس، قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}.
من فوائد سورة الواقعة أنها تذكر إنَّ الناس ينقسمون يوم الواقعة إلى السابقين وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، ثمَّ تتنقل إلى التفصيل في ألوان العذاب أو النعيم الذي سيحصل عليه كلُّ قسم من الناس، قال تعالى: {أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ * عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}.
تسرد وتصف الآيات نعيم أهلِ الجَنَّة الذي أعدَّهُ الله -سبحانه وتعالى- لهم، من الولدان المخلدين والفاكهة ولحم الطير والحور العين والهدوء والسلام والأمن، قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}.
ثمَّ تصف الآيات مصير أصحاب الشمال من العذاب والحميم، وكلُّ هذا بسبب إصرارهم على الكفر والعصيان، قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}.
تتضمن آيات سورة الواقعة تأكيدًا على البعث والنشور بدلائل حسية مرئية بأعين الناس، وهي دلائل لا يمكن للإنسان إنكاراها، كنبات الزرع وهطول المطر، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}.
كما تشير الآيات أيضًا غلى صورة النار التي يوقدها الإنسان، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
في ختام سورة الواقعة تتناول الآيات الكريمة وصف القرآن الكريم، كلام الله تعالى المحفوظ في اللوح المحفوظ، الكتاب الذي لا يمسه إلا الطاهرون، ثمَّ تشرح الآيات مشهد خروج الروح من جسد الإنسان، وتذكر مصير كلِّ إنسان بعد موته بحسب عمله، فمن تاب وعمل صالحًا فروح وريحان وجنات نعيم، وأما من كذّب فمصيرهُ النار والجحيم، قال تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}، والله أعلم.
دروس مستفادة من سورة الواقعة
المتدبر في سورة الواقعة، يجد أنّها قد ساقت بأسلوبٍ بليغٍ مؤثرٍ، ممّا يؤثّر في القَارئين ويحملهم على حسن الاستعداد ليوم القيامة، عن طريق التعمّق بالإيمان، والسعي لإرضاء الله بالعمل الصالح.
وفي السورة أيضاً ما يُبيّن للناس عن طريق المُشاهدة مَظاهر قدرة الله – تعالى- ووحدانيته، وما يكشف لهم النقاب عن أقسام الناس في يوم القيامة عند الحساب، وما هي عاقبة كل قسمٍ، والأسباب التي وصلت بكل فريقٍ منهم إلى ما وصل إليه من جنّة أو نار، وكذلك فإنّ سورة الواقعة من خلال آياتها تُري الناس عَجزهم المُطلق أمام قدرة الله – تعالى – وأمام قضائه وقدره وإرادته ومشيئته.
من دلائل ضعف الناس أمام قدرة الله أنّهم يَرون أمام أعينهم أعزّ الناس إليهم – أب أو أم أو ابن أو أخ أو زوج أو زوجة – تُنتَزعُ روحه من جسده، ويُعاني سكرات الموت، ومع ذلك فهم عاجزون عن أن يُخفّفوا عنه سكرات الموت فضلاً عن أن يمنعوا عنه الموت، وقد ظهر ذلك جلياً في قوله تعالى: (فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
فوائد
يذكر الدكتور فاضل صالح السامرائي بعض ما استنتج من فوائد بيانية في سورة الواقعة، أولها في قول الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}، الفرق بين الثلة والقلة هو أنَّ الثلة هي الجماعة وهي أكثر من القلة، فإذا قيلَ ثلَّة من الأولين وقليل من الآخرين، فإن من المعروف إنَّ في أمة كلِّ نبيٍّ يكون في صدر هذه الأمة ثلة وما بعدهم يكونون قلَّة، وعلى هذا القياس تُقاس أمة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالثلة هم قرن رسول الله وصحابته الكرام، وقلَّة هم من جاء بعدهم، خاصَّة وأنَّ الآيات القرآنية تتحدَّث عن النعيم، أي أنَّ من يدخلون النعيم هم ثُلَّة من الأولين وهم قليل من الآخرين.
ومما جاء من فوائد لغوية في سورة الواقعة أيضًا، تأمُّل عظيم ولمسة بيانية لطيفة من لمسات الدكتور فاضل صالح السامرائي أيضًا في قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}، إنَ كلمة أقسم لم تردْ في القرآن الكريم إلَّا مسبوقة بلا، والسؤال هنا هو عن حال هذه الأداة “لا” التي تأتي قبل كلمة أقسم في القرآن الكريم، إنَّ بعض أهل العلم يقولون إنَّها زائدة لتوكيد القسم وليست نافية، ومن أهل العلم أيضًا من قال إنَّ هذه الأداة “لا” هي نافية للقسم والقصد منها التعظيم، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: