تعدُّ سورة الدخان إحدى سور كتاب الله تعالى المكية، أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، أو بمعنى أدقٍّ نزلت عليه قبل الهجرة إلى المدينة المنورة، تقعُ سورة الدخان في الحزب ذي الرقم خمسين وفي الجزء ذي الرقم خمسةٍ وعشرين، رقمُ ترتيبها في المصحف أربعة وأربعون، وعدد آيات السورة تسعةٌ وخمسون، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الدخان.
فوائد من سورة الدخان
سورة الدخان من السور التي تهجم على القلب البشري من مطلعها إلى ختامها، في إيقاع سريع متواصل؛ تهجم عليه بإيقاعها، كما تهجم عليه بصورها وظلالها المتنوعة المتحدة في سمة العنف والتتابع، وتطوف به في عوالم شتى بين السماء والأرض، والدنيا والآخرة، والجحيم والجنة، والماضي والحاضر، والغيب والشهادة، والموت والحياة، وسنن الخلق ونواميس الوجود. فهي -على قصرها نسيباً- رحلة ضخمة في عالم الغيب وعالم الشهود.
تتعدد فوائد سورة الدخان، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة، فيها يفرق كل أمر حكيم، رحمة من الله بالعباد، وإنذاراً لهم وتحذيراً. وقد جاء هذا الحديث مقروناً ببيان بعض صفات الله الجليلة وأسمائه الحسنى، التي هي من أمهات القاعدة الإيمانية.
- تعريف للناس بربهم، رب السماوات والأرض وما بينهما، وإثبات لوحدانيته، وهو المحيي المميت رب الأولين والآخرين.
- توضيح فضل الليلة التي أُنزل فيها القرآن، أي ابتدئ إنزاله، وهي ليلة القدر. وذكر جملة من دلائل الوحدانية، وتأييد الله من آمنوا بالرسل.
- الحديث عن القرآن وموقف الكافرين منه إبان التنزيل، وإصرارهم على الشك في القرآن، وتلهِّيهم لاعبين بأمور دنياهم، وتحذيرهم من عقوبات تلجئهم إلى الوعد بالإيمان، إذا كشف الله عنهم العذاب، لكنهم لا يَفون بوعدهم، بل ينقضونه، ويتمادون في غيهم، وأخيراً ينذرهم الله بأن يبطش بهم بطشة كبرى منتقماً منهم.
- التأكيد على أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر، فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع؛ إيقاظاً لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية؛ ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده.
- ضَرْبُ المثل بأمم قد خلت، عصوا رسل الله إليهم، فحلَّ بهم من العقاب ما من شأنه أن يكون عظة لمن بعدهم؛ تفصيلاً بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تُبَّع، وإجمالاً وتعميماً بالذين من قبل هؤلاء.
- بيان موجز عن بني إسرائيل بعد أن أنجاهم الله من العذاب المهين، الذي كانون يعانونه في مصر مستَعْبَدين.
- من فوائد سورة الدخان بيان موقف مشركي مكة إبان التنزيل من إنكار الآخرة والبعث، ومجادلتهم بالإقناع وبالإنذار بيوم الدين.
- تضمنت السورة حديثاً عن شجرة الزقوم في الجحيم، التي يكون منها طعام الأثيم، وعرض مشهدين من مشاهد يوم القيامة: الأول: يتضمن بيان صنف من أصناف عذاب الكافرين المجرمين في الجحيم، الثاني: يتضمن بيان بعض نعيم المتقين في جنات النعيم في مقابل بيان بعض عذاب الكافرين الجاحدين.
- خطاب من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بشأن القرآن الكريم، وتيسيره بلسانه العربي المبين، وإلماح ببشارته بأنه منصور بنصر الله له، وبأن المشركين المعاندين مخذولون، وبأن الله سينتقم منهم يوم الدين.
فوائد
البديع في إعجاز القرآن الكريم أنّه كاملٌ، يشملُ جميعَ أشكال الإعجاز وصوره، وهذا المقال يدور حول تأملات في سورة الدخان البيانية منها والبلاغية، وذلك بناءً على دراسات قامَ بها الدكتور فاضل السامرائي في لمسات بيانية من سور القرآن الكريم وتتمثل في:
- التناسب في التعميم بين نهايات سورة الزخرف التي تسبق سورة الدخان، وبدايات هذه السورة، قال تعالى في نهاية سورة الزخرف: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}، وهو التنزيه والتعظيم لله سبحانه وتعالى، والذي أكدّه الله في بداية سورة الدخان، قال تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ}، ومن صور التناسب أيضًا تصوير حال المشركين، بين الخوض واللعب حتّى قيام الساعة، قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}، وجاء في سورة الدخان: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}.
- اللمسة البيانية في التوكيد، في قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ}، والإسراء يكون في الليل، فقال تعالى: {فَأَسْرِ}، ثمّ أتبعها: {لَيْلًا}، تأكيدًا على وقت الإسراء، وجاء في كتب التفسير أنّ ذكرُ {لَيْلًا}، كان لأمر الله لموسى أن يسري في نفس الليلة التي نزل به هذا الأمر، ولو جاء عوضًا عنها “في ليلٍ” عندها لا يشترط لها ليلةَ يومٍ ما بعينه.
- في قوله تعالى: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}، وقد جاءت بفتح النون، وذكرت في غير مواضع بكسر النون، والفرق في ذلك هو أنّ النِعمة هي ما تكرّم به الله تعالى على عباده، وهي لا تُحصى، قال تعالى في سورة النحل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، أمّا النَعمة بفتح النون فهي الرفاهية والتنعّم بلين العيش والرخاء، وهي لم ترد في القرآن إلّا في الذنب.
اقرأ أيضًا:
المصادر: