سورة غافر هي سورة مكية، آياتها خمس وثمانون آية، وهي السورة الأربعون بحسب ترتيب المصحف العثماني، نزلت بعد سورة الزمر، وقبل سورة فصلت، وهي أول سور “آل حم” نزولًا، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة غافر.
فوائد من سورة غافر
تتمثل فوائد سورة غافر إجمالاً في معالجة قضية الحق والباطل، وقضية الإيمان والكفر، وقضية الدعوة والتكذيب، وأخيراً قضية العلو في الأرض والتجبر بغير الحق، وبأس الله الذي يأخذ العالين المتجبرين. وفي أثناء هذه القضية تلم السورة بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين، ونصر الله إياهم، واستغفار الملائكة لهم، واستجابة الله لدعائهم، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم مقيم.
عند تسليط الضوء على فوائد من سورة غافر بالتفصيل، فالسورة تشتمل على الكثير من الدروس والعبر:
- ابتدأت السورة بما يقتضي تحدي المعاندين في صدق القرآن، كما اقتضاه الحرفان المقطعان في فاتحتها {حم} وأُجري على اسم الله تعالى من صفاته ما فيه تعريض بدعوتهم إلى الإقلاع عما هم فيه، فكانت فاتحة السورة مثل ديباجة الخطبة، مشيرة إلى الغرض من تنزيلها.
- يعلن حملة العرش ومن حوله إيمانهم بربهم، ويتوجهون إليه بالعبادة، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح.
- بيان أن دلائل تنزيل هذا الكتاب من الله بينة، لا يجحدها إلا الكافرون من الاعتراف بها حسداً، وأن جدالهم تشغيب وتعنت، لا طائل من ورائه. وقد تكرر ذكر المجادلين في آيات الله خمس مرات في هذه السورة.
- تمثيل حال المجادلين بحال الأمم التي كذبت رسل الله بذكرهم إجمالاً، ثم التنبيه على آثار استئصالهم، وضرب المثل بقوم فرعون.
- من فوائد سورة غافر تقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان، إنما يدفعهم إلى هذا كِبْرٌ في نفوسهم عن الحق، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر. ويوجه القلوب إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله، وهو أكبر من الناس جميعاً، لعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله، وتتفتح بصيرتهم، فلا يكونون عمياً.
- بيان أن الوجود كله مُسْلِمٌ مستسلم لله، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال.
- التذكير بمجيء الساعة، والتوجيه إلى دعاء الله، الذي يستجيب لدعاء من دعاه؛ فأما الذين يستكبرون، فسيدخلون جهنم أذلاء صغراء، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادة المستكبرين، ويعلن نهي ربه له عن آلهتهم، وأمره له بالإسلام ولاستسلام لرب العالمين.
- عرض مشهد الكافرين يوم القيامة، وهم ينادون من أرجاء الوجود المؤمن المسلم المستسلم، وهم في موقف الذلة والانكسار بعد التكبر والاستكبار، يقرون بذنبهم، ويعترفون بربهم، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار، إنما يُذَكَّرون بما كان منهم من شرك واستكبار.
- استعراض جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون، تمثل موقف الطغيان من دعوة الحق. فيها ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يدفع عن موسى ما هموا بقتله، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر، ثم في صراحة ووضوح في نهايته. يعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة، ويحذرهم يوم القيامة، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته.
- حوار بين الضعفاء والذين استكبروا، وحوار لهم جميعاً مع خزنة جهنم، يطلبون فيه الخلاص. ولات حين خلاص! وفي ظل هذا المشهد يوجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق، والتوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار.
- التنبيه على دلائل تفرد الله تعالى بالإلهية إجمالاً. وإبطال عبادة ما يعبدون من دون الله مع التذكير بنعم الله على الناس؛ ليزداد الشاكرون شكراً، وليشكره الذين أعرضوا عن شكره.
- توضيح مصارع الغابرين، الاستدلال على إمكان البعث، كما يتمثل في عرض مشاهد القيامة، مع بيان أن كل نفس مرت رحلة الامتحان في الحياة الدنيا، تُجزى يوم القيامة بما كسبت، دون أن تُظْلَم شيئاً، مع بيان أن الله سريع الحساب.
- إنذار المجادلين والمعاندين بما يلقون من هول يوم البعث، وما يترقبهم من العذاب، وتوعدهم بأن لا نصير لهم يومئذ، وبأن كبراءهم يتبرؤون منهم. مع عرض مشهد من أحوال المعذبين في النار يوم القيامة، وهو مشهد مخيف لأهل العقول الواعية، الذين لم تنطمس بصائرهم بالأهواء، والشهوات، ووساوس الشياطين، وحب العاجلة، ومتاعات الأنفس فيها.
- توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل حال رسالة دعوته من بعده أن ينذر المجادلين في آيات الله بغير علم عقاب الله يوم القيامة، ويبين لهم أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يقضي بين عباده بالحق، وأن الذين يدعون من دونه من شركاء لا يقضون بشيء، وأن الله هو السميع لشكوى عباده، والمجيب لدعائهم، وأنه هو البصير بحركاتهم وسكناتهم.
- تثبيت الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتحقيق نصر هذا الدين في حياته وبعد وفاته. وتوجيه الله رسوله إلى الصبر، والثقة بأن وعد الله حق، سواء أبقاه حتى يشهد بعض ما يعدهم، أو توفاه قبل أن يراه، فسيتم الوعد هناك.
- تُظهر السورة بعض آيات الله الكونية، التي يمروا الناس عليها غافلين، وبيان أن في الكون آيات قائمة، وبين أيديهم آيات قريبة، ولكنهم يغفلون عن تدبرها؛ يعرض الليل سكناً والنهار مبصراً، والأرض قراراً والسماء بناء. وتذكير الناس بأنفسهم، وقد صورهم فأحسن صورهم، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين.
- إلقاء اللوم المكذبين الكافرين، الذي يجادلون في آيات الله بالباطل؛ إذ لم يتعظوا بما شاهدوا في مواطن متعددة من الأرض آثار المهلكين السابقين، الذين كفروا بما جاءتهم به رسل ربهم من الحق، وفرحوا بما عندهم من علم دنيوي، فلما رأوا بأس الله نازل بهم آمنوا، فلم يك ينفعهم حينئذ إيمانهم، وأحاط بهم العذاب، الذي كانوا به يستهزئون ويكذبون، وأهلكم الله ضمن سنته التي يجريها في عباده الأولين والآخِرِين.
فوائد
تتعدد الفوائد اللغوية البيانية التي تشتمل عليها سورة غافر مثل قوله -تعالى-: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، بينما في قوله -تعالى- في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}:: الكافر شيءٌ من هذه الأشياء المذكورة والسّؤال هنا: كيف لا يدخلها؟ جوابه يكون بالقول: إنّ المراد بالتّعميم في ذكر {كُلَّ شَيْءٍ} هو الخصوص هنا، فقد أراد الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين، وهذا المعنى قد أُريد أيضًا في سورة الأحقاف بقوله -تعالى-: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} ، والمراد هو: رحمته في الدّنيا؛ فإنّها عامّة.
يقول الله تعالى في سورة غافر: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا}، وفي سورة طه قوله -تعالى-: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا}، يمكن لسائلٍ أن يسأل: لم أُدخلت اللّام في آية سورة غافرٍ دون آية سورة طه؟ والإجابة تكون بالقول إنّ الخطاب في سورة غافرٍ كان مع المُنكرين للبعث، ويناسب ذلك التّوكيد باللّام، أمّا الخطاب في سورة طه فقد كان مع نبيّ الله موسى -عليه السلام -، وهو مؤمنٌ بالسّاعة أصلًا فلا يحتاج إلى توكيدٍ فيها.
جاء في سورة غافر في قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}، وفي سورة يونس: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}، إنّ النّظر في هاتين الآيتين الكريمتين يثير تساؤلًا حول معنى لفظ “النّاس” وتكراره، حيث كان إظهاره في آية غافرٍ للمشاكلة في الألفاظ، وفي آية يونس: تمّ إضمار النّاس، وتكرار ضمائرهم قبل ذلك فكان إضمارهم لما تمّ ذكرُه من المشاكلة.
اقرأ أيضًا:
المصادر: