سورة السجدة هي السورة الثانية والثلاثون في ترتيب سور القرآن الكريم البالغ عددها مائةً وأربعة عشر سورة، تقع في الجزء الحادي والعشرين تسبقها في ترتيب المصحف الشريف سورة لقمان وتليها سورة الأحزاب، يبلغ عدد آياتها ثلاثين آية وهي سورةٌ مكيّة -أي نزلت في مكة المكرمة- إلّا الآيات من “السادسة عشر إلى العشرين” فقد نزلت في المدينة المنورة، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة السجدة.
فوائد من سورة السجدة
تتمثل أولى فوائد سورة السجدة بالتنويه إلى عظمة القرآن الكريم وبأنّه هو وحده جامع الهدى والسبيل للنور والحق، فقد استهلّ الله -جلّ وعلا- سورة السجدة بقوله: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، في إشارةٍ منه على كلّ من كان يكذّب القرآن ويتّهم النبيّ الكريم بأنّه افتراه.
بيان عظمة خلقه تعالى وأنّه وحده خالق كلّ شيءٍ ومصور كلّ شيء بقوله:{للَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} وهذا من مقاصد سورة السجدة بأنّه هو الإله الواحد وأنّ الأصنام وما يعبد المشركون لا تملك نفعًا ولا ضرًا ولن تكون شفيعًا لهم يوم الحساب.
ومن فوائد سورة السجدة التذكير بيوم القيامة والبعث وأنّ الله خالق الأرض ومدبرها وأنّه قد أنعم بنعمه التي لا تُحصى على المشركين الذين لم يُقدّروا هذه النعم ولم يتوبوا إلى الله بل كانوا في كفرهم يتفاخرون وكفرا بالنعم وبخالقها، وذلك في قوله -تعالى-: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
التذكير بأنّ جزاء كلّ من آمن وعمل صالحًا هو جنات الخلد وذلك بقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ويتبين أنّ من فوائد سورة السجدة أيضًا الثناء على المؤمنين وتفضيلهم على الفاسقين فهم لا يستوون.
تشتمل سورة السجدة على بعض الآيات التي تُذكّر بالأقوام التي أهلكها الله بسبب كفرهم وعصيانهم، فقد قال -سبحانه وتعالى-: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُون} وهنا إعادة تنويه إلى عظمة خلقه في أنّه يسوق الماء من السماء ويخرج به الزرع الذي يأكلون منه هم وأنعامهم لكنّ كفر الناس وعصيانهم جعلهم عميًا لا يبصرون.
ختم الله تعالى سورة السجدة بقوله: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} فقد أمر الله نبيّه الكريم بالإعراض عن الكافرين وما يقولون في مقصدٍ منه بأنّ يقلل من شأنهم ويحقرهم مع التأكيد على سوء ختامهم وأنّ الله قد أعدّ لهم سوء العذاب.
دروس مستفادة من سورة السجدة
موضوع هذه السورة ونتيجتها والأثر العملي المترتب عليها وخلاصتها؛ الخضوع لله جل وعلا، لأن السجود أعظم صورة عملية للخضوع والانكسار والافتقار والذل بين يدي الله سبحانه. فقد سئل الحسن البصري رحمه الله: أين تجد الراحة؟! فقال: سجدة بعد غفلة، وتوبة بعد ذنب.
ومن أعظم أسباب ومقدمات الوصول إلى الخضوع؛ اليقين الذي لا شك فيه، وهو قوة الإيمان والثبات، حتى كأن الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله به رسوله عليه الصلاة والسلام من شدة يقينه، لذلك يعتبر اليقين مادة هذه السورة التي يؤكد الله عليها بطرق وأساليب متنوعة.
وتتجلى أهمية هذه السورة من اسمها” السجدة”، والصلاة هي أعظم صورة عملية للخضوع لله، والسجود سرها ومن أعظم مقاصدها، وأعلى مراتب السجود سجود القلب باليقين بالله سبحانه، ومحبته والذل والعلم الراسخ المستقر في القلب، والسجود بالمعنى العام هو الخضوع لله جل وعلا في كل لحظة.
المتأمل في هذه السورة يجد أنها ترسخ وتثبت اليقين بحقائق الدين في قلب المسلم، فينتج عنه الخضوع والسجود لله، فترى فيها اليقين والخضوع مترابطان متلازمان متجانسان منسجمان متعانقان.
فوائد
تتضمن سورة السجدة بعض اللمسات البيانية مثل ما جاء في قوله تعالى: {وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، ومعنى “حقّ القول” في هذه الآية الكريمة بل وفي عموم آيات القرآن الكريم هي بمعنى ثبت لهم العذاب.
تأتي كلمة “حقّ القول” بمعنى ثبت القول مني -أي الله تعالى- أن يثبت العذاب على الكافرين من الجن والإنس، حتى أنّ أهل التفسير البياني وعلوم النحو قالوا أنّ كلمة “حق القول، أو حقت الكلمة” لم ترد في القرآن الكريم إلّا بمعنى ثبوت العذاب، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة الأحقاف: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}، وأيضًا في قوله تعالى في سورة الصافات: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ}، كما في سورة السجدة في هذه الآية أيضًا فهي لم ترد إلّا لهذه الدلالة، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: