سورة المائدة هي سورة مدنية من أواخر ما نزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- عدد آياتها 120 اَية، تتميز هذه السورة باشتمالها على العديد من المضامين والمقاصد؛ لذلك يُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة المائدة.
فوائد من سورة المائدة
رغم أن الهدف الرئيس للسورة يتمثل في إلزام المسلمين بالوفاء بالعهود، فقد ذكرهم الله تعالى فيها بما شرع لهم من الأحكام، التي من أعظمها بيان الحلال والحرام، بعد نعمته عليهم بالهداية إلى الإسلام.
أعقب ذلك الامتنان بما كان له من الفضل والإنعام على أهل الكتاب، الذين نقضوا العهود وخانوا المواثيق، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض فنشأت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فكان لذلك دلالة قاطعة على ضرورة الاعتصام بالوحي والاهتداء بنور القرآن، تحصنا من ذلك الزيغ والاستمساك بشريعة الرحمن، لدفع إغواء الشيطان.
لما ذكر تعالى استمراء بني إسرائيل للخيانة، وما كان من عصيانهم لأوامر رسل الله، وجبنهم عن قتال الجبارين، أتبع ذلك بقصة ابني آدم، وإقدام “قابيل” على إزهاقه للنفس البريئة التى حرمها الله، وقد احتذى به اليهود في فظاعته وشناعته، فتأصلت فيهم طبيعة الشر التي قلدوه، فكان هذا مدعاة لتشابه أخبارهم مع قصته من حيث التمرد والطغيان.
انتقل الحديث بعد واقعة هابيل وقابيل إلى حنق المنافقين على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم حقداً وحسداً، لكنه جلت عظمته عصم رسوله صلى الله عليه وسلم من شرورهم وحفظه من كيدهم، وأمره ألا يحزن لعداوتهم، وبين له أنهم مخذولون بطبيعتهم وإن استفحلت عداوتهم للإسلام ونالت أذيتهم النبي صلى الله عليه وسلم فلم ولن يضروا بذلك إلا أنفسهم.
بعد أن بين الله تعالى إعراض اليهود والنصارى عن التوراة واستمراءهم للكذب والدجل وأكل الحرام، بين أنهم أهل جحود وطغيان وردة عن الحق، ليوضح للمؤمنين أن من هذه صفاته وتلك أخلاقه وسجاياه ليس جديرا بالموالاة والمؤاخاة، بل إنه حري بالمعاداة والبغض.
لقد ذهب هؤلاء بعيدا في جرمهم فتطاولوا على الذات العلية، ونعتوها بأبشع صفاتهم وخسيس مثالبهم فأخزاهم الله ولعنهم، فلا يواليهم إلا ظالم لنفسه قد أصاب قلبه ما أصاب قلوبهم أهل لأن يحيق به ما حاق بهم.
تعرضت الآيات السابقة للتحذير الصارخ والوعيد الشديد لمن أقام وشائج مودة أو علائق ولاء مع اليهود والنصارى، وعدت ذلك الولاء من أسباب الارتداد المفضي إلى الاستبدال بمن يتصفون بصفات الإيمان المقتضية لمجافاة الكافرين والغلظة عليهم ومالاة المؤمنين والرحمة بهم والمجاهدة لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه.
ثم انتقل السياق إلى كشف عوار النصارى وفضح ما شاع بينهم من انحرافات وضلالات عقدية كتأليههم لعيسى عليه السلام، وكانت الردود على هذه الترهات والأباطيل صريحة شافية.
ما كادت الآيات تنتهي من كشف سوآت اليهود والنصارى وتبيين ما دأبوا عليه من زيغ عقدي وضلال منهجي حتى عادت للتحذير من اليهود بصفة خاصة لتعلن أنهم والمشركين الصرحاء أشد البشرية عداوة للإسلام وأهله، وتظهر في الوقت نفسه جانبا من إنصاف الإسلام وموضوعيته وعدله في حديثه عن الأعداء وتصنيفه لهم، فإذا كان اليهود بذلك المستوى من الغل والحنق فإن من النصارى من لهم صفات حميدة تجعلهم أقرب إلى أهل الإسلام وأكثر احتفاء بهم.
أتبعت الآيات أحكام قتل المحرم للصيد بما للكعبة من عظيم المكانة وجليل المنزلة، لتعلن أنها منطقة أمان مطلق، فلا يستنفر فيها صيد ولا يخوف أو يؤذى فيها أحد، فهي مناخ للخير محضن للسعادة الدينية والدنيوية.
لقد أمرت الآيات باتخاذ إجراءات احترازية حفظا لحقوق الورثة عند احتضار الموروث كالإشهاد والائتمان على الوصية، ثم أمرت بإجراءات أخرى عند الشك في صدق المؤتمنين كحلفهم بالله في مجتمع بعد الصلاة؛ لاستجاشة الوجدان الديني حتى ينبعث الخوف من موقف خزي يوم القيامة، وحتى يستنهض عند الشهيدين التحرج من الفضيحة حال ظهور الكذب والخيانة.
بعد هذا الحكم المعبر عن نوع من الاستعداد للموت الذي هو أول منازل القيامة يأتي الحديث عن ذلك اليوم المهول، حين يجمع الأولون والآخرون على صعيد واحد للمحاسبة والجزاء، فيتمايزون إلى فريقين أحدهما إلى جنات الخلد والآخر في عذاب السعير.
دروس مستفادة من سورة المائدة
استهلت هذه السورة بنداء المؤمنين خاصة، لاشتمالها على كثير من التشريعات التطبيقية المستلزمة للصبغة الإيمانية، تلك الصبغة المبنية على الاستجابة المطلقة والتسليم الكامل اعتقاداً وحركة وعملاً وممارسة.
تكرر هذا النداء مقرونا بتلك الصفة في ثنايا السورة ستة عشر مرة، تنويها بما على المؤمن من واجب تحمّل مسؤولية التزاماته التعاقدية والتعاهدية، التي لا يجوز له نقضها ولا الانحراف عنها، حتى تتأسس حياته الذاتية والاجتماعية وهي مرتكزة على قاعدة ثابتة من الوفاء بالعهود والمواثيق التي نشأت عن عهده مع الله.
شيدت السورة الكريمة قواعد العهود وبينت وجوب الالتزام والوفاء، تهيئة لتقديم باقة من الأحكام تناولت الذبائح، والصيد، والإِحرام، ونكاح الكتابيات، والردة، وقضايا الطهارة، وحدّي الحرابة والسرقة، وجزاء البغاة وأهل الإفساد.
تناولت السورة تحريم الخمر والميسر، وكفارة اليمين، وقتل الصيد في الإِحرام، والوصية عند الموت للمغترب، ثم أجهزت على جوانب راسخة في المعتقد الجاهلي تبطلها تتعلق بالبحيرة والسائبة.
في ثنايا تلك الباقة التشريعية كانت السورة الكريمة تعرض جملة من القصص للاتعاظ والاعتبار، فذكرت تمرد وطغيان بني إسرائيل على شريعة الله تعالى، وما كان من عصيانهم وقولهم لموسى- بعد المنن الوافرة التي امتن الله بها عليهم-: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} وما حصل لهم بعد ذلك من التشرد والضياع والتيه.
عرضت سورة المائدة قصة ابني آدم لتعالج من خلالها رزمة من الأمراض النفسية الخبيثة كداء الغل والحسد، إنها أمراض شعشعت وفرخت في الذهنية الدينية لحملة الكتابين من قبل، فولدت دجلا دينيا وشعوذة اعتقادية جاءت السورة لتقدم البراهين الساطعة والأدلة القامعة على تهافتها.
عمدت السورة إلى تعرية بعض خسائس اليهود خاصة لكثرة دسائسهم وشدة تغلغلهم في المجتمعات، وسردت قبل الختم تلك القصة العجاب، إنها قصة المائدة التي أنزل الله على عيسى ابن مريم وحوارييه بإعجازها ودلالاتها، ثم خلصت السورة الكريمة إلى تصوير نهاية الخلائق وما ينتظر الصادقين من حسن المرجع وكرم المآب.
اقرأ أيضًا:
المصادر: