سورة آل عمران من طوال السور في القرآن الكريم، فهي ثاني أطول سورة في الكتاب بعد سورة البقرة، يبلغ عدد آياتها مئتي آية قرآنية، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من آل عمران وما يستفاد منها من دروس.
فوائد من آل عمران
كما هو الشأن بالنسبة لسورة البقرة افتتحت سورة آل عمران بالأحرف المقطعة تنبيها إلى إعجاز هذا القرآن؛ فرغم أنه مؤلف من هذه الأحرف التي يدركها الجميع، إلا أنهم لا يستطيعون أن يصوغوا منها مثله، لا في بلاغته اللفظية والتركيبية ولا في بلاغته المعنوية وسلطانه على القلوب ولا في إعجازه التاريخي والتشريعي، ولا في تحديده لوقائع لا تزال في رحم الغيب.
إن التمسك بالمنهج والتزام المحجة البيضاء والثبات على المبادئ، رغم كثرة المعوقات وكآدة العقبات لهو الدلالة القاطعة على رسوخ الإيمان وكمال الاستسلام لله عز وجل، فمعوقات هذا الطريق كثيرة ومتنوعة وقواطعه تزلزل الأفئدة المهزوزة ببهارج الدنيا الناعمة وزخارفها المؤثرة، ودواعيها الدافعة إلى السعر إلى ملاذها غاية في القوة.
يُعتبر تحديد الأهداف ووضوح الرؤية عوامل رئيسية للتحصين من تنكيب الجادة، ومن المقومات الأساسية لذلك الاستقلال والاعتزاز بالانتماء المنهجي الذي يجافي تقليد الأمم الأخرى ومصانعتها على حساب العقيدة.
في إطار ضبط النفس على طريق الحق لا بد من مراجعتها بين الفينة والأخرى وصبرها على الجادة وإرجاعها إلى الصراط السوي فور حيدتها عنه، ويتجلى ذلك في المسارعة بها إلى التوبة والانطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى استغفارا وإنابة.
إزاء ذلك الطريق لا بد من جرس ينبه النفس إذا غوت ويصيح في وجهها إذا زلت ويثبتها إذا استقامت ويواسيها إذا ضنكت ويبين لها مكامن الخطر وأسباب استحقاق العقوبة، وهو الأمر الذي لا يتأتى إلا بالصحبة الصالحة الناصحة التي تتأسس معها الروابط على الوشائج الإيمانية وتقوم معها الصلات على الأواصر الربانية النابذة للاختلاف والتنازع.
يجب العمل بالحق واستمداد النصرة عليه من الله تعالى والاعتبار في ذلك بالأحداث، والعمل بالحق يقتضي الدعوة إليه حتى يكمل الانتماء وتتم المهمة ويصدق الانتساب ويحصل الفلاح، وكذلك فإن الاستقامة على الحق والتجسيد العملي له والحصانة من كيد الأعداء يحتاج إلى صبر لا يعرف ضجرا وتقوى لا يعتورها انحراف.
يرفرف الاستغفار بالأسحار في قلب المؤمن بحرارة الإيمان ويصدح في نفسه بروح الإحسان ويعمق فيه بذور الخشية التي تزدهر في جو ندي بمعالم التنزل حين يصفو الفؤاد ويرق القلب وتعم السكينة وتبوح النفس بعوالجها الرهينة وخواطرها الرقراقة، ويعانقها الاستغفار فتقبل على باريها عز وجل فيلفها الاطمئنان ويعلو بها إلى الآفاق العلية والمنازل الرضية.
لقد جعل الله تعالى البيت الحرام ذروة في المنزلة، مقدما في الأسبقية، عالي الفضل، عظيم الشرف، سامق المكانة، فلزم تعظيمه وحمايته ورعايته، فهو أول مكان لعبادة الله عرفته المعمورة، وهو المطاف الوحيد على سطحها، وفي رحابه المسعى الفريد، وفي جواره الموقف الفذ بعرفة، وفي جنباته تؤدى سائر مشاعر الحج والعمرة.
لا يتأتى التوفيق للطاعات وأعمال البر إلا بالصلة الدائمة بالله تعالى، تلك الصلة التي هي منبع نقاء التصور واتضاح الهدف وتحصينه من غبش الشبهات ونوازع الشهوات، وهي مصدر إحراز النصر.
تضمنت السورة تحذيرات متتابعة للمسلمين من كيد أهل الكتاب ودسائسهم، في الوقت الذي وجهت فيه تقريعات لاذعة لليهود خاصة، لما يتسمون به من العداوة المتأصلة مع هذه الأمة ودينها؛ ولما جللهم من فقدان السيطرة على غرائزهم الدنيئة، ولما انطبعوا به من التمسك بكل نقيصة، ولما عرفوا به من محاربة الحق وإن استيقنوه، ولما تميزوا به من الصد عن سبيل الله.
ثم ينتقل النص لبين في إشارات دأب الصالحين في لجئهم إلى الله تعالى وتعلقهم به وتوكلهم عليه، وتطبيقاً لذلك قدمت السورة نمطا بمناجاة امرأة عمران لربها، وفي السياق نفسه جاءت دعوة زكرياء؛ ليتناسق ذلك كله مع ما اختتمت به السورة من استجابة الله تعالى للمسلمين بعد ما تعرضوا له من الأذية في سبيل الله وما قاموا به من الهجرة والجهاد {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}.
هكذا تتجمع آيات السورة لتؤكد بوضوح أن شمولية المنهج تقتضي الاتباع المطلق الذي لا استثناء فيه.
الدروس المستفادة من سورة آل عمران
في إطار صقل عقيدة المجتمع الإسلامي من ران الزيغ وغبش الشبه تبين السورة بطلان عقيدة النصارى وتعري التناقض الذي تقوم عليه، وتوضح بلا امتراء حقيقة عيسى عليه الصلاة و السلام {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.
تؤكد السورة عجز اليهود عن الارتفاع إلى مستوى الوحي بانحرافهم عما جاءتهم به التوراة، وبما واجهوا به هذا القرآن من التكذيب والعناد، فاستحقوا عن جدارة نعت المكذبين، ذلك أن من كذب بأي من هذه الكتب المنزلة من عند الله تعالى فقد كذب بها جميعا وكان أولى الناس بالعذاب والنكال {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام}.
لقد واجهوا كلام الله تعالى بمقررات عقلية لا تتجاوز حد الإدراك البشري ولا تستعلي على مستوى العجز الإنساني، فتنكبوا سبيل العلم وعارضوا منهج ذوي الرسوخ من العلماء، الذين هم أفقه بعجز العقل البشري عن إدراك الحقائق التي تفوق طاقته وتكبر مستواه؛ لما يتسمون به من سلامة الفطر التي لا تلبث أن تصدق بالحق وتنقاد له وتطمئن إليه {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}.
كشفت السورة عن الصراع المتجذر الذي احتدم منذ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بين حملة الحق وحملة الباطل، صراع يقود المسلمون طرفه ذا العقيدة المستقيمة الناصعة ويقود أهل الكتاب والمشركون طرفه ذا العقائد المنحرفة المغبشة، المبنية على جعل الشركاء والأنداد لله تعالى ونسبة الأبناء والبنات له جلت عظمته.
فهؤلاء وإن آمنوا أن الله هو الخالق الرازق إلا أنهم لم يؤمنوا أنه لا إله غيره وأنه لا يقبل من العبودية إلا ما كان خالصا له وحده، اعتقاداً وعملاً واتباعاً ومنهجاً، وأنه لا تحاكم إلا إلى شرعه ولا طاعة إلا لأمره {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام.. }.
لقد كان تجسيد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم لهذا التصور عملاً وواقعاً وراء تأجج الصراع بعد الهجرة النبوية، خاصة حين صار اليهود طرفه الأكثر عنفاً والأعمق حقداً، والأشد رفضاً لقضاء الله وقدره رغم محاجة الني صلى الله عليه وسلم لهم بالدليل والبرهان ومقابلته أذاهم بالحسنى {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا}.
اقرأ أيضًا:
المصادر: