يُعد حديث الدال على الخير كفاعله مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام التي يجسدها في أبناءه، والذي يبنع من منطق الإنسانية والرحمة والتكافل والتعاون، فكل هذه المعاني الراقية موجودة في الإنسان بفطرته السليمة، ومغروسة في المسلم بتمسكه بدينه وتعاليمه.
الدال على الخير كفاعله
جاء هذا الحديث في روايات متعددة وكلها صحيحة مثل حديث:
- “أتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ رجلٌ يستحملُه فلمْ يجدْ عندهُ ما يتحملُهُ فدلَّه على آخرٍ فحملَهُ فأتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فأخبرَه فقال إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه” (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2670 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح ))
شرح الحديث
حَثَّ الشَّرْعُ الحنيفُ على فِعْلِ الخيرِ ورغَّبَ فيه، وأعْطَى الثوابَ الجزيلَ لِمَن فعَلَه بنَفْسِه، كما جعَل لِمَن يُرشِدُ إلى الخيرِ أجرًا كأجرِ فاعلِه.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أَنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّه أتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلٌ “يَسْتحمِلُهُ”، أي: يَطْلُبُ الرَّجُلُ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دابَّةً يَحْمِلُ عليها ويَرْكَبُها، “فلَمْ يَجِدْ عِنْدَه ما يتحمَّلُهُ”، أي: فلَمْ يَجِدِ الرَّجُلُ عِنْدَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دابَّةً يَحْمِلُ عليها ويَرْكَبُها، “فدلَّه على آخَرَ فحَمَله”، أي: أَرَشَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الرَّجُلَ الطالبَ حَمْلًا إلى رَجُلٍ آخَرَ عِنْدَه ما يَحْمِلُهُ عليه.
قال: “فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأَخْبَرَه”، أي: فجاء الرَّجُلُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخْبَرَه أنَّ الرَّجُلَ الآخَرَ الذي دَلَّه عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ حَمَلَه وأَعْطاهُ دابَّةً يَرْكَبُها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إنَّ الدَّالَّ على الخيرِ كفاعِلِهِ”، أي: إنَّ الذي يَدُلُّ أحدًا على الخيرِ فله مِثْلُ أَجْرِ فاعِلِ الخيرِ وثَوابِه لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شيءٌ.
وفي الحديثِ: بيانُ عَظيمِ فَضلِ اللهِ تعالى على عِبادِه؛ إذ جَعَل الدَّالَّ على الخيرِ كفاعِلِه.
وفيه: الترغيبُ في دَلالةِ النَّاسِ على الخيرِ وإعانةِ المُسلِمينَ.
- روى ابن حيان في صحيحه عن أبي مسعود أنه قال: أتي رجل النبي عليه السلام فسأله فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن ائت فلانا، فأتى الرجل فأعطاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من دل على خير فله أجر فاعله أو عامله”. (( الراوي : أبو مسعود | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 289 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
شرح الحديث
في هذا الحديثِ أنَّ هذا الرَّجُلَ لَمَّا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال له: إنِّي أُبْدِعَ بي، يَعنِي: انقَطَعَ بي السَّبيلُ؛ لأنَّ دابَّتي قد ماتتْ، فاحمِلْنِي. يعني: اجعَلْنِي محمولًا على دابَّةٍ غيرِها. فاعتَذَرَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ليس عندَه شيءٌ يَحمِلُه عليه، فقال رجلٌ كان حاضِرًا هذا المَوقفَ: أنا أَدُلُّه على مَن يَحمِلُه، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن دَلَّ على خَيرٍ فله مِثلُ أَجْرِ فاعِلِه؛ لأنَّه تَسبَّبَ في حُصولِه وفِعلِه والإعانَةِ عليه.
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: له مِثلُ أَجْرِ فاعلِه، أي: أنَّ للدَّالِّ ثَوابًا كما أنَّ للفاعلِ ثَوابًا
وفي الحديثِ: فَضلُ مَنْ دلَّ على خَيرٍ، وفيه أيضًا فَضلُ مَن أعانَ على فِعْلِ الخيرِ، وفَضلُ تَعليمِ الخيرِ خاصَّةً لِمَنْ يَعملُ به.
أهمية الحض على الخير
تكمن عظمة الإسلام في تشجيع المسلمين على هذه المبادئ الراقية، بأن جعل لمن يدل على الخير أجر كأجر من قام بهذا الخير، وهكذا يكون التعاون بين الناس حيث قدر لكل فرد قدر من المال، وقدر من العلم، وقدر من الصحة، وهو يسير في حياته وفقًا لما قدره الله له، ويقدم المساعدة والمعونة لغيره بالقدر الذي يستطيع.
فإذا كان قد طلب منه معونة أو مساعدة في شيء لا يملكه، فليستخدم ما يملكه للتوصل لشخصٍ يملك المساعدة، ولا يقتصر هذا الخير على طلب المال فقط، بل في مجالات الحياة الكثيرة؛ قد نجد بعض المواقف التي تكون عائقًا عند البعض فيبحثون فيمن حولهم عن حل، ويأتي الحل من أشخاصٍ لم يعرفوهم إلا من شخصٍ دلهم عليه، فيغدو العالم على اتساعه، والناس على تعدد أوصافهم واسمائهم يغدون كعائلةٍ واحدة، كقائمة أسماءٍ في صفحة واحدة يسهل الوصول إليهم بفعل دال الخير.
ومن النماذج على دال الخير، طالبٌ تعسّر عليه حل بعض المسائل فسأل صديقه الذي يدرس معه فأخبره أنه لم يفهم هذه المسألة من أستاذه بالأصل، ولكنه يعرف صديقه الآخر يفهمها جيدًا ومستعد لأن يفهمها لأي شخص، فهذا الخير هو نشر العلم فسيكون له من الأجر العظيم، وكثيرون من يطلبون المال فلا يجدون عند من يطلبون منهم ولكن أحدهم يدلهم على تاجرٍ كريم معطاء، فيذهبوا إليه فيجزل لهم مما فتح الله عليه من المال، فهذا الخير هو الصدقة.
ومن هنا نعلم أن فعل الخير لا يقتصر على أداء الطاعات والفرائض، فهذه من الخيرات التي هي من حق الله، ولكن هناك خير من حق العباد، فمن حق الناس الذين يعيش معهم الإنسان ويتبادل معهم أسباب الحياة؛ والدال على الخير كفاعله هو حديث في هذا السياق إذ يشمل الخير من الطاعات والخير من المعاملات مع الناس بعضهم ببعض.
والذي يدل على الخير ينال أجره في الدنيا والآخره، فأجره في الآخرة هي بقدر الخير الذي قُدم لمن احتاجه، وأما في الدنيا فكما تُدين تُدان، وسيأتي يومٌ تتبدل فيه الأحوال وقد يكون الشخص في حاجة غيره فيجد من يدله قبل أن يتكبد العناء والشقاء.
اقرأ أيضًا:
المصادر: