نشأة فرقة الشيعة من أكثر المسائل المثيرة للجدل في علم الفرق والمذاهب الإسلامية، لذلك يُوضح موقع معلومات في هذا المقال من هو مؤسس فرقة الشيعة من وجهة نظر أهل السنة والشيعة والمستشرقين.
من هو مؤسس فرقة الشيعة
يتفق علماء أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا على أن التشيع أمر طارئ وغريب على الإسلام، وأنه بدعة في الدين الإسلامي، ولم يوجد في عصر الرسول ولا في عصر خليفتيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب مَن عُرِفوا بالشيعة، وينسب عدد من علماء السنة أصول التشيع الأولى إلى شخصية «عبد الله بن سبأ»، ويُعرَف في بعض الروايات بـ«عبد الله بن السوداء»، إذ كان يهوديًّا أصله من اليمن، ثم أسلم وحاول أن يثير الفتن بين المسلمين.
نجد أن عددًا من الروايات التاريخية تُحمِّله المسؤولية المباشرة عن اشتعال ثورة الأمصار ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وهناك من يرى أن ابن سبأ أول من دعا إلى الغلو في شخصية علي بن أبي طالب، ونشر عدد من عقائد الشيعة الأساسية، مثل «الرُّجعة» و«الوصية» و«العصمة»، وبذلك فهو، من وجهة نظر أصحاب تلك الروايات، المؤسس الفعلي للمذهب الشيعي.
تجدر الإشارة إلى أن الروايات التي جعلت من عبد الله بن سبأ مؤسسًا لأصول المذهب الشيعي، أعطت قيمة كبيرة لهذه الشخصية من حيث تأثيرها في الأحداث التاريخية للإسلام، بغض النظر عن العوار الواضح والضبابية والشكوك التي تحيط بشخصية ابن سبأ من جوانب كثيرة.
فالنزاع حول شخصية عبد الله بن سبأ حدث بين كثير من المؤرخين والباحثين والمستشرقين. إذ إن هناك طائفة اعتقدت بأن ابن سبأ شخصية تاريخية حقيقية ولا ريب في ذلك، وكان صاحب دور عظيم في أحداث الثورة ضد عثمان بن عفان وتأسيس المذهب الشيعي، ومن هؤلاء نيكلسون وغولدتسيهر وحسن إبراهيم حسن ومحمد عبد الله الغلبان ومحمد أمحزون وصادق إبراهيم عرجون وسعد الهاشمي.
أما الرأي الآخر، وهو الأكثر انتشارًا بين الباحثين الشيعة، فيرى أن ابن سبأ شخصية وهمية أسطورية مُختَلَقَة، ولم يكن لها أي وجود حقيقي. من أهم من أنكر حقيقة وجود عبد الله بن سبأ، مرتضى العسكري وعبد الله فياض وعبد العزيز صالح الهلابي وعلي الوردي وكامل مصطفى الشيبي.
نشأة التشيع عند علماء الشيعة
بالنسبة إلى علماء الشيعة، فإنهم حاولوا قديمًا وحديثًا أن يثبتوا أن التشيع لم يكن أمرًا طارئًا على الإسلام، وأن الشيعة الأوائل ظهروا في عصر الرسول، ومن ذلك قول سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي، إن «الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المسمون شيعة علي في زمان النبي، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي وأبو جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر المذحجي، وغيرهم ممن وافقت مودته مودة علي عليه السلام، وهم أول من تشيَّع من هذه الأمة».
يتبع ذلك النهج عدد من أعلام الشيعة المعاصرين. منهم على سبيل المثال محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي زعم في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» أن «أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام صاحب الشريعة الإسلامية نفسه».
هذا الرأي يخص الجمهور الأكبر والسواد الأعظم من علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين الذين سعوا إلى «تأصيل» التشيع في الأصول الإسلامية، كالقرآن والسنة، والنظر إلى المذهب باعتباره متزامنًا في نشأته مع ظهور الإسلام نفسه.
يُلحَق بذلك الزعم رأي آخر، وهو رأي ابن النديم، إذ يورد في كتابه الأشهر «الفهرست»، خلال تناول أحداث «موقعة الجمل»، أنه «لمَّا خالف طلحة والزبير علي رضي الله عنه وأبيَا إلا الطلب بدم عثمان بن عفان، وقصدَهُما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، تسمَّى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول شيعتي، وسماهم عليه السلام الأصفياء والأولياء وشرطة الخميس والأصحاب».
معنى ذلك أن ابن النديم يرى أن الشيعة لم يظهروا إلا وقت معركة الجمل في سنة 35 هجرية/655 ميلادية، وأنهم لم يكونوا موجودين على مسرح الأحداث قبيل هذا الوقت.
من الممكن أن نوفق بين الرأيين باعتبار أن الوجود المعنوي الباطني للتشيع كان في زمن الرسول، ولم تبدُ له أي آثار مادية “حركية” إلا عند اشتعال المعارك بين علي بن أبي طالب وأعدائه من الخارجين على سلطته، فكان الصدام الذي حدث في موقعة الجمل، الموقف الأول الذي استدعى حدوث تغيير في طبيعة التشيع، ليأخذ منحى جديدًا يظهر فيه بالمعنى الاصطلاحي الحركي العملي.
رأي المستشرقين في نشأة الشيعة
حاول المستشرقون أن يستخدموا مناهج نقد الأديان والمذاهب والدراسات البحثية المقارَنة في سبيل التوصل إلى وقت ظهور المذهب الشيعي وتبيان المصادر الأولى التي أخذ منها الشيعة الأوائل، وأحيانًا إظهار التعارض بين «الإسلام» في صورته «الأصلية» والتشيع.
نجد أن قطاعًا كبيرًا من المستشرقين، خصوصًا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، اعتقدوا أن التشيع يختلف في جوهره عن الإسلام التقليدي، إلى الحد الذي دعا واحدًا من كبار المستشرقين، وهو المجري «إيغناس غولدتسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام» إلى القول إن «الشيعة على وجه الدقة، المنطقة التي نبتت فيها جراثيم السخافات التي حللت وقضت على نظرية الألوهية في الإسلام».
لذلك، فإن عددًا من هؤلاء المستشرقين حاول نسبة التشيع إلى أصول غير إسلامية، إذ نسبه بعضهم إلى مؤثرات فارسية، وآخرون إلى مؤثرات يهودية، بينما اعتقد فريق ثالث أن التشيع تأسس على ركائز صوفية غنوصية.
من أشهر المستشرقين الذين اعتقدوا بالأصول الفارسية للتشيع، الهولندي «رينهارت دوزي»، في كتابه «ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام»، عندما أكد الربط بين المذهب الشيعي وبلاد الفرس التي «كانت مسرحًا لكثير من التخرصات الدينية، حيث التقت فيها أخلاط من المذاهب المختلفة وأمشاج من النِّحَل المتباينة، ووجدت في هذه البلاد حقلًا خصبًا لازدهارها». واعتقد دوزي أن إقبال الفرس على الانخراط في الدين الإسلامي واعتناقه بعد الفتح العربي لإيران، كان سببًا مهمًّا من أسباب ظهور المذهب الشيعي بصبغته الفارسية.
اقرأ أيضًا:
المصادر: