تُصنّف قضية خلق القرآن باعتبارها أخطر القضايا التي تمت إثارتها في التاريخ الإسلامي خلال العصرين الأموي والعباسي، بل إن هذه القضية لا تزال تحتل مساحة كبيرة من السجال الدائر حول كيفية قراءة النص الديني، لذلك يُوضح لكم موقع معلومات في هذا المقال من هي الفرقة التي قالت بخلق القرآن والمراحل التي مرت بها هذه الفتنة.
من هي الفرقة التي قالت بخلق القران
تعتبر فرقة المعتزلة هي من أثار تلك الفكرة، حيث نفى المعتزلة عن القرآن صفة الأزلية، فالقرآن كما تبنوا حادث في الزمان والمكان، وهو ما تعارض مع المعتقد السُنّي المؤمن بأزليته.
بدأ التراشق بين الفرق الإسلامية التي اتخذت من تلك الحادثة سبباً كافياً للاقتتال فيما بينهم، وصراعاً مع السلطة السياسية المتمثلة في الخليفة المأمون بن هارون الرشيد آنذاك، لقد سقطت فرقة المعتزلة فريسة معترك السياسة الذي استخدمهم فيه المأمون لأغراض سياسية، وبدا للعامة أنّ المعتزلة ناقضوا أنفسهم وبدأوا يفرضون فكرتهم بالقوة والجبر على العامة.
أضيفت فكرة الحدوث إلى مسألة خلق القرآن، من مذهب الأشاعرة؛ فالقول بالخلق في مضمونه إشارة للموت، وهو ما اعترض عليه الأشاعرة بقولهم إنّ القرآن مُحدث، وهو ما يضيف له صفة الأبدية، باعتباره حادثاً متصلاً بالزمان والمكان، مصادفاً لأفعال الذات الإلهية التي تحمل وحدها صفة الأزلية، أمّا الأفعال والصفات وغيرها فجاءت بعد الإله، وهو ما لم يلقَ استحسان الجمود العقدي لدى أهل السنة الذين غالباً ما تميزوا برفضهم للجدل والأفكار الفلسفية المطروحة في الفكر الإسلامي، فالعقيدة والأفعال والصفات كلها لا تجتزأ وتبقى متحدة مع الذات الإلهية.
مراحل فتنة خلق القرآن
في كتابه “البداية والنهاية” في جزئه العاشر، يروي ابن كثير بدايات المحنة التي اتحدت السلطة معها لأول مرة، واعتنق على أثرها الخليفة مذهباً فكرياً، ومع الخلاف بين المعتزلة وغيرهم الذين نفوا أنّ المأمون أحد أفرادهم، بينما تضامن المأمون مع المعتزلة.
جعل الخليفة المأمون مذهب المعتزلة مذهبًا للدولة، وذلك نتيجة لسياساته الاجتماعية، فقد جددّ بيت الحكمة الذي بدأه جده المنصور، وجعله قلعة علمية وازدهرت الترجمات الإغريقية والفارسية واليونانية في عصره، واهتم بالطب والفلسفة والعلوم الطبيعية كما لم يفعل خليفة قبله، وكانت حالة استثنائية، أن يحمل أحد حُكام العصور الوسطى عقيدة فلسفية، ويرسخ لها في دولته، هذا لا ينفي الإخفاقات السياسية في نهج المأمون التي لا يخلو منها أي حاكم.
كانت الفكرة الأصلية في قصة خلق القرآن إعادة قراءة النص باعتباره حدثاً، وليس أمراً جامداً لا يقبل التأويل، ولعل هذا النسق الفكري الذي سار فيه المعتزلة منذ بداياتهم مع مسألة مرتكب الكبيرة، والمسائل الأخرى التي تدور كلها في فلك تفكيك جمود النص وإعادة قراءته بما لا يدع مجالاً للنقل الأعمى، دون إعمال العقل.
انضمّ لفكرة المعتزلة بعض من الفرق الإسلامية، في مقدمتهم الشيعة الإمامية والإثنا عشرية، وبدأ الجدل مع الأشاعرة، وازدادت حدته بعد اعتزال أبو الحسن الأشعريّ. والمعروف تاريخياً أنّ الفتنة الكبرى اشتعلت بين الحنابلة والسلطة، وما أكثر الكتب التي سرد فيها أهل السنة مظلوميتهم أمام المسألة.
لم تكن هذه المحنة من افتعال المعتزلة كما يروج للأمر، فبينما بنيت المسألة لدى المعتزلة كأصل من أصول العدل بناها الجبرية كأصل من التوحيد، والمتمعن في نقاشات المحنة التي سردها ابن كثير والطبري والمسعودي، يرى أنها دارت في فلك مسألة التوحيد، وحيث شكلت الدعوة الإسماعيلية خطراً على سلطة المأمون، بعدما التف المثقفون حولها بعد نشر رسائل إخوان الصفا، فعمد المأمون إلى تبني الشيعة ظاهرياً.
جاءت المحنة بفعل الجبرية، وليس المعتزلة، فقد استخدمت السلطة تلك القضية، لتحجيم دور أهل الحديث على العامة، ولمواجهة التمرد الأموي الذي هدد العباسيين، ولقد طالت المحنة الكثير والكثير من أهل الحديث والفقهاء على رأسهم عم المأمون إبراهيم بن محمد المهديّ. وعندما تولى المعتصم الخلافة وضع ابن حنبل في السجن.
لم يكن زمن المأمون أول أزمنة الفتنة، بل كان العصر الأموي؛ حيث سموا بالقدرية الأوائل، الذين ثاروا ضد الدولة الأموية وقالوا بخلق القرآن، وتم قتلهم وعلى رأسهم جهم بن صفوان وغيلان الدمشقيّ، وهي الفترة التي تواجد فيها واصل بن عطاء حيث تجنب الصدام مع السلطة في تلك القضية تحديداً.
ولعل الاستدلال من أزمة الإمام ابن حنبل مع قضية خلق القرآن في قصته مع أحمد بن داوود أحد وزراء المأمون، الذي أراد فرض الرأي بتبني المسألة حتى يتبعه العامة، فالمعتزلة كانوا بمعزل من الأمر، إنما الفعل فعل الجبرية الذين تلاعبوا بالمعتزلة كأصحاب فكر حر، وأقحموهم في حلبة السياسة.
لم تنتهِ الفتنة إلّا بعصر الخليفة المتوكل، الذي أفرج عن الإمام ابن حنبل من السجن وحدد إقامته، وبالرغم من ذلك اعتبره أهل السنة ناصراً لقضيتهم ضد المعتزلة، ولكن الخاسر الوحيد في تلك المحنة كان المعتزلة الذين تم حرق كتبهم على أيدي الحنابلة، واختفت معظم مؤلفاتهم، ولم يتبقَّ منها سوى كتابات القاضي عبد الجبار التي حافظ عليها الزيديون في اليمن.
اقرأ أيضًا:
المصادر: