ظهرت العديد من الفرق والطوائف الإسلامية، وتُعدّ هذه الفرق فروعًا من الديانات، وليست ديانات مستقلة، ومن أبرز الفرق الإسلامية المثيرة للجدل فرقة المعتزلة، لذلك يُجيب موقع معلومات في هذا المقال عن سؤال ما هي فرقة المعتزلة مع توضيح أسباب تأسيسها ومبادئها.
ما هي فرقة المعتزلة
المعتزلة هم فرقة من الفرق الكلامية التي كان ظهورها في بدايات القرن الثاني عشر الهجري، وقد ظهرت هذه الفرقة لأول مرة في البصرة جنوب العراق، وكان هذا في أواخر أيام حكم الأمويين، واستمرَّت هذه الطائفة واشتهرت في أيام العصر العباسي.
قامت فرقة المعتزلة على العقل، فقدموه على النص أو النقل، وجعلوه أساسًا في بناء العقيدة، وأيدوا الفكر والتفكر والمنطق، فكان الفكر عندهم فوق النص والسمع، فرفضوا كلَّ الأحاديث النبوية التي لا تتوافق مع العقل بشكل أو بآخر، فعرفوا الله بالعقل وأمروا بمعرفته بالعقل، فإذا تعارض النص مع العقل قدَّموا العقل وخالفوا النص لأنَّهم يعتقدون إنَّ العقل هو أساس النص، وهم بهذا يخالفون أهل السنة والجماعة الذين جعلوا العقل سببًا لفهم النص وليس للحكم على النص.
وقد اشتهر عدد كبير من العلماء الذين كانوا ينتمون للمعتزلة في تاريخ العرب، ولعلَّ أشهرهم الزمخشري والجاحظ والخليفة المأمون، جدير بالذكر أيضًا إنَّ انتشار المعتزلة توسَّع وأصبح لهم تواجدٌ في خراسان واليمن وأرمينيا والكوفة أيضًا، ومن أشهر كتبهم كتاب القاضي عبد الجبار الذي عنونه “المغني في أبواب التوحيد والعدل”، فكانوا طائفة لها نظامها وعلماؤها ووجودها في التاريخ العربي كلِّه.
أسباب تأسيس المعتزلة
اختلف المؤرّخون العرب في الأسباب التي كانت وراء ظهور هذه الطائفة، واتفقوا على الزمن الذي ظهرت به، وهو أواخر العصر الأموي وبدايات العصر العباسي، ولكنَّ اختلافهم في أسباب ظهورها استقر أخيرًا على سببين اثنين فقط، أحدهما ديني والآخر سياسي، وهما على الشكل التالي:
السبب الديني
يرجع هذا السبب -كما تقول الروايات- إلى اختلاف واصل بن عطا والذي هو مؤسس المعتزلة مع شيخه الحسن البصري حول مرتكب الكبيرة وحكمه في الإسلام.
تقول القصة إنَّ الحسن البصري حكم على مرتكب الكبيرة بأنه ليس بكافر، ولكنَّ واصل بن عطاء قال إنَّ مرتكب الكبيرة يكون في منزلة بين منزلتين، أي لا هو مؤمن لا هو كافر، وجرَّاء هذا الخلاف اعتزل واصل بن عطاء، وأنشأ لنفسه مدرسة ومذهبًا خاصًّا به، وعندها قال الحسن البصري: “اعْتَزَلَنا واصل”، وكان هذا السبب الديني في تأسيس المعتزلة.
السبب السياسي
يعتقد بعض المؤرخين إن السبب وراء ظهور المعتزلة هو سبب تاريخي محض، يرجع إلى أنَّ الإسلام في نهاية القرن الاول الهجري، كان يأخذ منحى مغايرًا، فتوسع ودخلت فئات كثيرة في الإسلام وثقافات مختلفة، فلم يعد المنهج الذي يقدِّم النص على العقل يفي ويجيب عن أسئلة المسلمين الجدد، فأدى هذا إلى ظهور طوائف كلامية تؤيد العقل على النص وأشهر هذه الطوائف هم المعتزلة.
مبادئ فرقة المعتزلة
لا بدَّ لكلِ طائفة في العالم من مبادئ ومعتقدات تقوم عليها وتتفق عليها وتسعى لتحقيقها، وتقدم الحجج لإقناع الناس بصحتها، وهذا شأن المعتزلة أيضًا، فقد قامت هذه الطائفة على أصول ومبادئ، وهي أصول خمسة اتفق عليها كلُّ أتباع هذه الطائفة اتفاقًا تامًا، وهذه الأصول الخمسة هي:
التوحيد
هو الأصل الأول من أصول المعتزلة الخمسة، ويقوم هذا الأصل على إثبات وحدة الذات الإلهية، فنفوا كلَّ الصفات عن الله مبررين ذلك بأن إثبات الصفات على الله شرك، كما أنكروا رؤية الله في الآخرة، ومن هنا جعلوا القرآن الكريم كلامًا محدثًا ومخلوقًا، فقام لهم أهل السنة ودحضوا كلامهم بالحجج والبراهين العقلية، ولعلَّ أشهر من وقف في وجه هذا الاعتقاد هو الإمام أحمد.
العدل
يقوم هذا المبدأ أو الأصل على فكرة العقل، وعلى فكرة قياس أحكام الله تعالى بناءً على يُرضي العقل والمنطق، ومن هنا نفوا كثيرًا من الأشياء التي تخالف العقل بحسب تعبيرهم- فنفوا أن يكون الله هو الذي خلق أفعال عباده.
قال ابن حزم في هذا السياق: “قالتِ المعتزلة بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه: إن جميع أفعال العباد من حركاتِهم وسكونِهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلُقْها الله عزَّ وجلَّ”، فالله تعالى لا يمكن أن يخلق لعباده إلا الصلاح والخير.
المنزلة بين المنزلتين
فكرة هذا المبدأ هو وجود منزلة بين الكفر والإيمان يقبع فيها الفاسق ومرتكب الكبيرة في الإسلام، وعلى هذه المسألة اختلف واصل بن عطاء والحسن البصري، فمرتكب الكبيرة يقع في هذه المنزلة بين المنزلتين، فإذا تاب ورجع فقد آمن، وإن مات على كفره فهو خالد في العذاب.
الوعد والوعيد
المقصود بهذا الأصل هو أن يحكم الله بالعدل المطلق في الآخرة، فلا يقبل شفاعة أصحاب الكبائر، ولا يخرج أحدًا منهم من نار جهنم.
قال الشهرستاني: “اتفقوا -أي المعتزلة- على أنَّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحقَّ الثَّواب والعوض، وإذا خرجَ من غير توبةٍ عن كبيرة ارتكبها استحقَّ الخلودَ في النَّار، لكن يكون عقابُهُ أخفَّ من عقاب الكفَّار وسمُّوا هذا النمط وعدًا ووعيدًا”.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
هذا الأصل يشرح موقفًا المعتزلة من مرتكبي الكبائر، قال الإمام الأشعري: “أجمعت المعتزلة -إلا الأصمَّ- على وجوبِ الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكر، مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك”، ولا فرق بين مرتكبي الكبيرة سواء كان حاكمًا أو من عامة الناس، فهم يخرجون على مرتكب الكبيرة ويقاتلونه أيًّا كان.
تجديد فكر المعتزلة
حدثت في العصر الحديث عدَّة محاولات جديدة لإعادة إحياء وبعث فكر المعتزلة في العصر الحديث، فحاول كثير من المفكرين الجُدُد، أو العقلانيين الجدد إثارة أفكار المعتزلين القدماء، وبناء هذا الفكر على العقل من جديد.
وُجّهت اتهامات صريحة إلى كلِّ العقلانيين الذي حاولوا إعادة إحياء فكر المعتزلين، مفاد هذه الاتهامات هو إلحاق الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية، ولكنَّ الجدير بالذكر هو إنَّ هذه المحاولات كانت جادَّة في بعض الأحيان كمحاولة أمين نايف ذياب الذي ناظر فكر الألباني ودعا إلى إحياء الفكر الإسلامي الذي يعتمد على العقل من جديد، ومن أشهر العقلانيين الجدد: عباس محمود العقاد، حسن العطار، محمد عبده، عبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: