إنَّ لبيت الله الحرام مكانةً رفيعةً في قلوب المسلمين وعقيدتهم، كيف لا ومن دخلها كان آمنًا في رحابها، ولذلك ارتبط تاريخ كسوة الكعبة بتاريخ الكعبة نفسها، وهذا ما زاده عظمةً وتشريفًا، ومع اختلاف المؤرخين في أوَّل من كسا الكعبة المشرَّفة، وأين صنع أول غطاء للكعبة، إلَّا أنَّ كسوتها مُثبتة في كتب التاريخ الإسلامي.
تاريخ كسوة الكعبة
ورُوي شعيب الأرناؤوط عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بإسنادٍ ضعيفٍ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَبِّ أسعَدَ الحِمْيَريِّ، قال: هو أوَّلُ مَن كسا البيتَ)، وكُسيت الكعبة بالديباج لأوَّل مرَّةٍ من قِبل الحجاج الثقفي.
أثبتت كتب التاريخ الإسلامي تاريخ كسوة الكعبة على مرّ الأزمان على النحو الآتي:
- في عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: بعد هجرة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وزيادة قوَّة المسلمين وفتح مكَّة، اهتمَّ بالكعبة المشرَّفة وخصَّص لها نفقةً من بيت مال المسلمين، وكساها ثيابًا يمنيَّة في اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة في حجَّة الوداع، وكُسيت الكعبة في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكان عمر -رضي الله عنه- يكسو الكعبة سنويَّاً بنسيج قباطي مصري يُصنع في مصر، وعلى نهجه سار الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
- في العهد الأموي: في خلافة معاوية -رضي الله عنه- كان يتمُّ كسو الكعبة مرَّتين في السَّنة؛ الأولى تكون في نهاية شهر رمضان، وكانت تصنع من النشيج القباطي، والكسوة الثَّانية تكون في اليوم العاشر من شهر محرم، وكانت تصنع من الديباج، وطُيِّبت جدران الكعبة بأطيب الروائح.
- في العهد العباسي: تمَّ تطوير الصِّناعة واستخدموا منسوجاتٍ عراقيةٍ الصُّنع في دور الطراز العامَّة والخاصَّة في مدينة دار السلام، وفي عهد الخليفة المهديِّ حُملت كسوة الكعبة من بغداد إلى مكَّة المكرَّمة، وأمر برفع كلِّ ما على الكعبة من كسواتٍ قديمةٍ؛ خشية انهيار جدرانها من كثر الكسوات التي عليها واقتصر على الجديدة.
- في عهد مماليك مصر: ظهر اهتمامهم في الكعبة المشرَّفة من خلال تخصيصهم لصناعة كسوة الكعبة الشَّريفة داراً عرفت باسم دار الكسوة، ومن هؤلاء المماليك الظاهر بيبرس.
- في عهد العثمانيين: كان على عاتقهم إرسال كسوة الكعبة إلى مكَّة بعد سيطرتهم على شبه الجزيرة العربيَّة، وأصبح إرسال الكسوة فرضًا على كلِّ والٍ يتولَّى منصب الخلافة.
- في عهد الفاطميِّين: كسى الصليحي اليمني الكعبة المشرَّفة بالحرير الأبيض، واشترى من بني الحسن حلية البيت وردَّها إليه، وقبل أن يعود إلى اليمن استخلف محمد بن أبي قاسم على مكَّة المكرَّمة.
- بداية الكسوة السعودية: بدأ دور السعوديَّة في كسوة الكعبة عام 1962م، وتم بناء أوَّل مصنعٍ سعوديٍّ لكسوة الكعبة عام 1927م بعد تكليف الملك عبد العزيز آل سعود ابنه الأمير فيصل بإنشائه، وأُطلق عليه اسم “أجياد”، وبعدها تمَّ استحداث مصنع آخر بإمكانيات متطورة في منطقة “أم الجود” بإشراف الخبراء والفنِّيّين.
اقرأ أيضا: أقدم صورة للكعبة
لماذا ثوب الكعبة أسود؟
كانت الكعبة قديمًا وعلى مرّ العصور تُكسى بجميع الألوان بحسب ما ذكره ابن حجر، مثل الأبيض والأخضر والأصفر، والثوب الأسود لم يُحدّد من الشرع، ولكن استمرّت كسوتها بهذا اللّون بعد أن كساها النّاصر العباسيّ ديباجًا أسودًا.
وكان يُستخدم في كسوة الكعبة العديد من المواد وأحسن الأقمشة والثياب؛ منها ما يُسمّى بالحبرة، والبرود، والأنطاع، والحرير، والديباج، والنمارق، إلى غيرها من الأنواع الفاخرة.
اقرأ أيضا: تفسير رؤية الكعبة في المنام بالتفصيل
الجهة المسؤولة عن كسوة الكعبة حديثًا
وقد أنشأت في عام 1977م مصنعًا مطوّرًا بإمكانيَّاتٍ لازمةٍ لصناعة كسوة الكعبة في منطقة أمِّ الجود في مكَّة المكرَّمة، وإلى الآن لا تزال تنال شرف تصنيع الكسوة فيه، مع محافظتهم على الصناعة اليدويَّة.
في كلِّ موسم حجٍّ يتولَّى مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة الإشراف على كلِّ ما يتعلَّق بكسوة الكعبة، وكما جرت العادة سنويًا في أوَّل يومٍ من شهر ذي الحجَّة يسلِّم خادم الحرمين الشَّريفين أو من ينوب عنه كسوة الكعبة الجديدة وقطعة من حزام الكعبة ومفاتيحها إلى سادني الكعبة المشرَّفة، وفي اليوم التَّاسع من شهر ذي الحجَّة صباحًا يُبدَّل ثوب الكعبة بالحلية الجديدة.
وتُعدّ تكلفة كسوة الكعبة هي الأغلى عالميًا؛ حيث تُقدّر بعشرين مليون ريال سعودي، بسبب المواد الفاخرة المُختارة لكسوة الكعبة بها.
في الزمن السابق كان يقوم بعض الخلفاء ببيع كسوة الكعبة القديمة وصرف ثمنها في سبيل الله، بينما في الوقت الحالي تُقدّم كسوة الكعبة القديمة التي تمّ استبدالها كهدايا لجهات تحددها السلطة، أو تُصرف للمتاحف مع المحافظة عليها.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الكعبة