أطول حصار في التاريخ

الحصار كلمة تُستخدم بمعنى ما يُقيّد به الشيء، وقد تجد من يفرض الحصار على منطقة، أو شعب من الشعوب، فيمنع عنه المؤن، والاتّصالات، والسفر براً، وجوّاً، وبحراً، وتتباين أنواع الحصار ومدّته، وقوّته، ونتائجه، وأهدافه، على مر العصور، ويبحث الكثيرون عن أطول حصار في التاريخ وقصته بالتفصيل.

أطول حصار في التاريخ

أطول حصار في التاريختعدّدت الهجمات على سواحل البحر الأبيض المتوسط؛ لأهمية موقعه الاستراتيجي، وذلك منذ أوائل القرن الخامس عشر، وحتى نهايات القرن السادس عشر.

كان من أهم تلك المواجهات، الحرب التي اندلعت بين الإمبراطورية العثمانية، ونظيرتها في البندقية، وتحديداً حصار مدينة كاندية، والذي يُعد أطول حصار في التاريخ حيث كانت هذه المدينة تتمتّع بموقع استراتيجي على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

بدأت قصّة هذا الحصار في عام 1644م، عندما هاجم فرسان الأسبارتية (وهم فرقة عسكرية صليبية) إحدى السفن العثمانية، ونهبوا ما فيها من كنوز، كما أسروا حريم السلطان اللواتي كنّ على متن السفينة، ثم أخذوهنّ إلى القسطنطينية.

كان ما قام به فرسان الأسبارتية سبباً كافياً لتبدأ الإمبراطورية العثمانية حرباً واسعة النّطاق؛ فبدأت هجومها على جزيرة كريت، وفرضت سيطرتها على مدينة خانية، وريثيمنو، وخلال شهرين وقعت جزيرة كريت بأكملها تحت سيطرة العثمانيين.

ظلّت أنظار العثمانيين متّجهة نحو مدينة كاندية ففي الأوّل من شهر أيار عام 1648م، بدأ العثمانيون حملتهم الواسعة لمحاصرة المدينة بعد أن طوّروا خطوط الحصار، والاتّفاقيات؛ وذلك لقطع الإمدادات كلّها عن المدينة.

على الرغم من أنّ سكّان البندقية طلبوا إرسال المساعدات، والإمدادات إليهم من الدّول الأوروبية المجاورة، إلّا أنّهم لم يحظوا منها بشيء؛ لأنّ الدّول الأوروبية كانت منهكة من توالي الحروب عليها، وكان لإنجلترا وهولندا اتّفاق تجاري مسبق مع العثمانيينن.

ومن أشكال الرد على الحصار، قطعت البندقية الإمدادات عن الجيوش العثمانية في عام 1649م، إلّا أنّ العثمانيين اهتموا بزيادة التعزيزات، والمعونات لحملتهم، فاستعاد الجيش قوّته، وفرض حصاره من جديد، واستمر في هجماته المتكررة وقصفه للمدينة لمدّة 16 عاماً.

ومن الجدير بالذّكر أنّ مزيداً من الإمدادات، والتعزيزات وصلت إلى الجيش العثماني بعدها، مصحوبة مع الوزير الأوّل المشرف على هذا الحصار.

مع بداية المرحلة الأخيرة من الحصار، خسر الجيش العثماني أكثر من 70 ألفاً من جنوده خلال عامين، وذلك أثناء محاولاتهم لاختراق الجدران، والحصون، علماً بأنّ خسائر المدافعين كانت تزيد عن 29 ألفاً أثناء تصدّيهم للهجمات العثمانية المتكررة.

وبالرغم من ذلك، قدّم العثمانيون معاهدة سلام وهدنة في عام 1668م، تقضي بأن يحتفظ أهل البندقية بنصف جزيرة كريت لهم، إلّا أنّهم رفضوا ذلك العرْض، حيث كان أملهم كبيراً بخسارة العثمانيين وانسحابهم، خاصّةً بعد وصول الدفعة الأولى من الإمدادات الفرنسية التي كانت تحوي أكثر من 6 الاف جندي، وأكثر من 30 سفينة رست على موانئ الجزيرة.

وبالفعل شنّ الجنود الفرنسيون، وعلى حين غرة، غارةً مفاجئةً على خطوط الدفاع العثمانية؛ مما أدّى إلى هزيمتهم من الضربة الأولى، إلّا أنّ العثمانيين استعادوا قوّتهم، واستطاعوا أن يغيروا قواعد اللعبة لصالحهم من جديد.

بعد ذلك وصلت الدفعة الثانية من الإمدادات التي عززت القوى الدفاعية للفرنسيين، وشنّوا قصفاً مدفعياً على خطوط الدفاعات العثمانية باستخدام 15 ألف قذيفة لم تكن ذات جدوى، حيث ألحقت الأضرار بالسفن الفرنسية، إلى أن تدمرت إحداها بالكامل.

مع طول فترة الحصار، وإنهاك المقاتلين، ونقص المؤن، وتوالي الهزائم، والانكسارات، وانتشار الأمراض، والأوبئة، قرر الفرنسيون الرحيل بسفنهم عن مدينة البندقية، والتخلّي عن هذه المعركة.

شنّ العثمانيون بعد ذلك بخمسة أيام هجوماً جديداً استطاعت القوّات الفرنسية التصدّي له، إلّا أنّ قائد الدفاع في كاندية، لم يعد لديه سوى 3500 جندي مقاتل، فأيقن أنّ هذه الإمكانيات محدودة، ولن تستطيع الصمود والتصدّي للحصار فترة أطول.

وفي 27 من شهر أغسطس عام 1669م، قرر المدافعون عن مدينة كاندية الاستسلام للقوّات العثمانية، بعد قتال وحصار فرضته الإمبراطورية العثمانية، حيث دام لمدّة 22 عاماً تقريباً، وهو لا يزال من أطول حصار في التاريخ.

انتهى ذلك الحصار عندما أعلن القائد موروسيني الاستسلام للوزير الكبير أحمد الكوبريلي، وتم توقيع اتّفاقية سلام ضمنت للمواطنين حقّ مغادرة المدينة، والاحتفاظ ببعض الجزر، والحصون، وجزء كبير من بحر إيجة، مما جعل البندقية تحظى ببعض السيطرة على التجارة البحرية إلى موانئها في البحر الأبيض المتوسط.

اقرأ أيضا: أقوى السلاطين العثمانيين

أشكال الحصار

تختلف وجهات النظر حول الحصار محلّياً، ودولياً، وتتنوّع التفسيرات المتعلّقة به من فئة إلى أخرى؛ فمن منظور سياسي، يعتبر الحصار تغيراً جذرياً في بروتوكولات التعامل الدولي، ووسائله، وهو من منظور اجتماعي، وسيلة لقتل الناس جوعاً، وإخضاع إرادتهم، والتضييق عليهم بكافّة السبل.

وتتعدّد أشكال الحصار، ووسائله؛ فالحصار قد يكون اقتصادياً، أو بحرياً، أو عسكرياً، حيث يعرف الحصار الاقتصادي بأنّه: التضييق على بلد من البلدان بمختلف الوسائل؛ وذلك عن طريق منع التعامل معها تجارياً.

أما الحصار البحري، فيتم تعريفه بأنّه: سدّ الطّرق البحرية، ومنع وصول الذخائر والمؤن إليها، وفيما يتعلّق بالحصار العسكري، فإنّ تعريفه قد يتمثّل بكونه تطويق الجيوش للمدن، أو الأهداف العسكرية؛ بهدف دفع أهلها إلى الاستسلام، وذلك عن طريق قطع وسائل الحياة، والاتّصالات عنها.

اقرأ أيضا: ما هو مفهوم الهيمنة الاستعمارية

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version