يتّبع الاسلام في لاتفيا مجموعة صغيرة من السُّكّان، ولكنّ تاريخ وجودهم في لاتفيا قديم جدًّا، ومنذ استقلال لاتفيا في عام 1991، صاغت قانونًا جديدًا يضمن لجميع المواطنين المقيمين الدّائمين فيها الحرّيّة الدّينيّة والعرقيّة، وأصبح من الممكن بالنّسبة للجالية الإسلاميّة فيها أن تبدأ لأوّل مرّة منذ عدّة عقود في العمل ضمن إطار ديمقراطيّ.
الاسلام في لاتفيا منذ أيّام التّتار
على النّقيض من الدّول الإسكندنافيّة الأخرى، التي اتّجه المهاجرون المسلمون إليها فقط في الآونة الأخيرة، كان التتار المسلمين يعيشون على حافّة بحر البلطيق الشّرقية لعدّة قرون، ويُمكن تقسيم التّتار الحاليّين في منطقة شرق بحر البلطيق إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى التي وصلت إلى المنطقة خلال القرنين السّادس عشر والسّابع عشر، وكانوا يخدمون في الجيش البولنديّ، والمجموعة الأخرى جاءت في أواخر القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين، استوعبت المجموعة الأولى لغة جيرانهم السّلافيين، وتتوزّع في روسيا البيضاء، وبولندا، وليتوانيا، في حين تُشكّل المجموعة الأخرى جوهر الأقلّيّة المسلمة التي تعيش حاليًّا في فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا.
المهاجرين التتار قبل عام 1917
يرتبط وجود الاسلام في لاتفيا بطبيعة الحال، ارتباطًا وثيقًا بتاريخ روسيا القيصريّة وبعد ذلك يرتبط بالاتّحاد السّوفييتيّ، والإسلام لديه تاريخ طويل في ما يُعرف الآن بروسيا، فعلى طول نهر الفولغا، كان المسلمون حاضرين منذ القرن التّاسع، وأثناء العصور الوسطى تزوّج المسلمون من سُكّان المناطق التي تُشكّل اليوم بولندا وبيلاروسيا، وأدرجت روسيا القيصريّة أيضا العديد من الدّول الإسلاميّة في مسار توسيع أراضيها، مثل خانات كازان التي تمّ غزوها في عام 1552، وتبعها خانيّة أستراخان في عام 1556، ثمَّ خانات سيبيريا في عام 1598، وآخرُها خانات القرم في أواخر القرن الثّامن عشر، وهكذا أصبح الإسلام دينًا متكاملًا داخل الإمبراطوريّة الرّوسيّة.
استمرّت روسيا في التّوسُّع نحو آسيا الوسطى، وخلال هذه الفترة كان الإسلام متقدّما داخل الإمبراطوريّة. في العصور الوسطى، كان المسلمون غالبًا ما يُطلق عليهم اسم التّتار، وتطوّرت هذه الكلمة مع مرور الوقت إلى تصنيف عرقيّ لمجموعة مختلفة من النّاطقين باللّغة التّركية في روسيا القيصريّة، وتمّ تفريقهم في جميع أنحاء الإمبراطوريّة.
التّتار
كان أغلبيّة السّكّان التّتار هم سكّان ريفيّون يعيشون كرعاة ومزارعين، بالإضافة إلى أنّ العديد منهم عاشوا أيضًا كتُجّار وباعة متجوّلين، ورجال أعمال في المدن، وتمّ توظيف آخرين كجنود في الجيش الرّوسيّ. بعض التّتار المسلمين السّنّيين زاروا منطقة البلطيق على أساس غير منتظم، أمّا المسلمون الآخرون سكنوا أراضي لاتفيا كسجناء حرب، على سبيل المثال، خلال الحرب الرّوسيّة التّركيّة في 1877-1878، تم نقل حوالي مئة تركيّ إلى مدينة سيسيس في لاتفيا.
كان التّتار الذين عاشوا حول نهر أوكا، مميّزون ثقافيًّا وتاريخيًّا ولغويًّا عن مجموعات التّتار الأخرى. وفقًا لأحد أرقام التّعداد السّكّانيّ الصّادر في عام 1926، كان ما يقرب من 240.000 شخص في الاتحاد السوفياتيّ، لكنهم أدرجوا في فئة التّعداد كتتار منذ ذلك الحين، وفي تقدير عام 2007 يتخطّى عددهم 300.000.
انتقال التّتار إلى لاتفيا
نظرًا للاكتظاظ السُّكّانيّ، والقيود القانونيّة في روسيا، ونقص الفرص المحلّيّة لدعم المسلمين، اضطرت العديد من الأسر إلى الهجرة إلى مناطق أخرى في روسيا، ووصل التّتار كتجّار متجوّلين على طول ساحل البلطيق، واستقرّ العديد منهم مؤقّتًا أو دائمًا في المدن مثل مدينة سانت بطرسبرغ، وهلسنكي، ودوربات، وريغا عاصمة لاتفيا وهكذا تأسسّت أوّل جاليات الاسلام في لاتفيا وكانت تتّبع المذهب السُّنّيّ، وكان هذا في القرن التّاسع عشر، ولم تنقطع علاقاتهم بالمسلمين الآخرين في روسيا. مع تزايد عدد المسلمين، ازدادت الحاجة إلى مؤسّسات دينيّة لهم، وأُنشئت مقبرة للمسلمين إلى جانب المقبرة الكاثوليكيّة في بليتنبرغ أيلا، وبرز دُعاة دينيّون محلّيّون، وفي عام 1902، تمّ تأسيس جماعة إسلاميّة رسميًّا في ريغا، وكان أوّل أئمّة الاسلام في لاتفيا إبراهيم دافيدوف، وسُرعان ما افتُتح مسجد صغير للصّلاة في لاتفيا.
الاسلام في لاتفيا حاليًّا
إنّ الاسلام في لاتفيا اليوم غير مرغوب فيه، حيث يعترف نصف سكان لاتفيا تقريبًا بأنّهم لا يرغبون في رؤية المسلمين كجيران لهم، وهذا الحكم القاسي تشكّل جزئيًّا بسبب تاريخ هذا البلد، بالإضافة إلى الأحداث العالميّة لتي حصلت في العقد الماضي.
إنّ ظلم الاحتلال السّوفييتيّ بعد الحرب العالميّة الثّانية، عزّز الكراهية تجاه المسلمين، ولم تكن لاتفيا في عزلة عن التّغييرات التي حصلت لصورة المسلمين بعد أحداث سبتمبر، وبدأت تظهر عبارات مثل (المسلمون الإرهابيون) أو (المسلمون المتطرّفون)، ولكن لم يحصل ولا حادثة عنف ضدّ أحد في لاتفيا رغم كلِّ هذه الشّعارات.
منذ انضمام لاتفيا إلى الاتّحاد الأوروبيّ، ظهر رهاب جديد وهو الخوف من موجات الهجرة المتكرّرة، والتي يمكن أن تشكّل تهديدًا خطيرًا لهذه الدّولة الصّغيرة التي لا يتجاوز عدد سكّانها 2.4 مليون نسمة، ومع ذلك فإنّ الاسلام في لاتفيا مُستمرٌّ في التّوسّع والانتشار.
- المراجع
- https://www.academia.edu/372098/Islam_in_Latvia
- https://www.hibamagazine.com/islam-in-latvia/