إنَّ آيات الله مليئةٌ بالعبر لمن أراد أن يتبحَّر في ملكوت الله، فيصطفي منها ما يجعل من حياته روضةً من رياض الجنة، فالقرآن هو خاتم الكتب وهو للناس أجمعين، ومذ نزوله حتى هذا اليوم والعلماء يحاولون الاجتهاد في فهم معانيه، ومن ذلك معنى آية فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا الواردة في سورة الإسراء.
معنى آية فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا
كان من بين الطَّواغيت الذين علوا في الأرض واستكبروا فيها هو فرعون، الذي بعث الله له موسى -عليه السلام- حتى يؤمن وقومه ولكنَّه أبى وأصرَّ على كفره وعناده، فكان جزاؤه من الله -سبحانه- أن أغرقه وأعوانه في البحر ونجَّى بني إسرائيل من كيده، فقال -سبحانه- في سورة الإسراء: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}.
وقد نزلت الآية في بني إسرائيل إذ يُخاطبهم الله -تعالى- في قوله أن اسكنوا أرض مصر والشَّام فإذا ما جاء يوم القيامة بعثناكم من قبوركم من كلِّ مكانٍ وقد اختلط الكافر بالمؤمن فلا يعرفون بعضهم.
وقد أفاد الكلبي في معنى قوله تعالى: {وَعْدُ الْآخِرَةِ}، أي وعد الله -تعالى- في نزول نبيه عيسى بن مريم -عليه السلام- من السماء، وقال ابن عباس وقتادة في قوله تعالى: {لَفِيفًا}، أي من جميع الجهات، وقال الجوهري في معنى لفيفًا أي اجتماع النَّاس من قبائل متعددة.
المقصود بأن يأتي الله بهم لفيفًا أي متباينين مختلطين، ويُقال عن الشيء لفيفًا إذا كان ممزوجًا من شيئين فأكثر، وتُطلق كلمة لفيف على الجمع ولا تُستعمل للمفرد كما أفاد الأصمعي، وبذلك يكون خروجهم من القبور وكأنهم الجراد المنتشر جمعًا لا يتعرَّفون إلى بعضهم.
وتحمل الآية بشارةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكما استُضعف والمسلمون في مكة المكرمة وأُخرجوا منها مُكرهين -والسورة من السور المكية التي أنزلت على النبي قبل فتح مكة- شأنهم في ذلك شأن موسى وبني إسرائيل، ثم أورث الله أرض فرعون -مصر- لبني إسرائيل بعد أن أذلهم الكافرون.
تكرر المشهد عند فتح مكة إذ دخلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزيزًا فاتحًا كما دخل بنو إسرائيل على مصر، وقال الضَّحاك في معنى {لَفِيفًا}، أي جميعًا، وقيل في معنى {وَعْدُ الْآخِرَةِ}، أي الوعد الذي تنتهي به الحياة الدُّنيا وهو يوم القيامة، وقوله -سبحانه- {لَفِيفًا}، أي ممزوجين على اختلافكم فيجمع الله بين عباده سواء كان بيضًا أو سودًا مؤمنين أو كافرين ظالمين ومظلومين، فميعاد الله لا يخلفه أحد من المخلوقين وسيُحاسبهم -تعالى- على ما قدَّمت أيديهم بميزانه الحق.
وقال ابن رزين في معنى آية فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا أي بعثناكم من كل قوم، وحشرهم الله يوم القيامة لا يعرف بعضهم بعضًا مخلوطين، ويُقال عن الجيوش لففت إذا التقت فتقاتلت واختلطوا مع بعضهم، وقال آخرون في معنى لفيفًا أي جميعًا وهو ما ذهب إليه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ومجاهد، وقال قتادة في معنى لفيفًا أي جميعًا أولهم وآخرهم.
اقرأ أيضا: معنى آية فيسحتكم بعذاب
إعراب آية فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا
- فإذا: الفاء حرف عطف، إذا ظرف لما يُستقبل من الزمان في محل نصب متعلقة بالفعل جئنا.
- جاء: فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة على آخره.
- وعد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- جملة {جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا}: في محل جر بالإضافة.
- الآخرة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
- جئنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدَّالة على الفاعلين، والنا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
- بكم: الباء حرف جر، كم ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل جئنا.
- جملة {جئنا بكم لفيفًا}: جملة جواب الشرط غير الجازم لا محل لها من الإعراب.
- لفيفًا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
اقرأ أيضا: معنى آية ولوا على أدبارهم نفورًا
فوائد من آية فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا
يُستفاد من قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} الكثير من الفوائد، ومنها:
- إنَّ بني إسرائيل -الوقت السَّابق- هم يهود الوقت الحاليِّ الذين تحدَّث عنهم القرآن الكريم وعن فسادهم في الأرض، وأشار -سبحانه- في غير موضعٍ من آياته عن تجمع اليهود في بقعةٍ واحدةٍ من الأرض وعلوِّ قوتهم حتى يكون رئيسهم الأكبر في آخر الزمان هو المسيح الدَّجال الذي يكون قادة جيشه من اليهود، وبعدها تكون الملحمة الكبرى التي ينتصر فيها المسلمون على أعداء الدين بإذنه تعالى.
- لقد ورد ذكر بني إسرائيل في القرآن الكريم كثيرًا، فتارةً يذمهم الرحمن وتارة يمدحهم فهو يمدح المؤمنين منهم ويذمُّ العصاة الفاسقين، فلا يكون حكم القرآن عموميًا على أي كان، بل هو يحاسب كل امرئ على ما قدمت يداه في الحياة الدنيا.
اقرأ أيضا: معنى آية يوم ندعو كل أناس بإمامهم