سورة الأنفال سورة مدنية باستثناء الآيات من الآية 30 إلى الآية 36 ويبلغ عدد آياتها 75 آية، وهي ثامن سورة في كتابِ الله تعالى، ونزلت بعد سورة البقرة، وقد اشتملت على العديد من الأحكام بالغة الأهمية؛ لذلك يهتم المسلمون بالتعرف على معاني آياتها وخاصةً معنى آية وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية التي تتحدث عن صلاة المشركين في الجاهلية.
معنى آية وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية
فإذا كانت هذه صلاتهم وهي أعظمُ العباداتِ وأجلُّها فكيفَ تكون باقي العبادات، فهم ليسوا الأولى ببيت الله تعالى من عبادِهِ المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بصفاتٍ حميدةٍ في كتابهِ منها خضوعهم له وخشوعِهم في صلاتهم حيثُ قال الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}.
ولهذا أورثهم الله تعالى بيته الحرام ومكنهم منه وبعدها قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}، فالمؤمنون هم الأولى والأحق ببيت الله الحرام من الكفار.
قال البغوي في تفسيرِ قول الله تباركَ وتعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً}، فسَّر ابن عباس والحسن المكاء بأنه الصفير وفي اللغة هي اسمُ طائرٍ أبيض يعيشُ في الحجاز وله صوتُ صفير، وكأن الله تعالى قال لم يكن صوتهم إلا مكاء والتصديةُ هي التصفيق، قال ابن الأنباري : “إنما سماه صلاة لأنهم أمروا بالصلاة في المسجد الحرام فجعلوا ذلك صلاتهم”.
جاء عن القرطبي في تفسيرِ قول الله تباركَ وتعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً}، كانَ أُناسٌ من قريش تطوف بالبيت عراة، يصفقون ويصفرون،فكانوا يظنون أن هذا عبادة وصلاة، والمكاء هو الصفير، والتصدية هي التصفيق، وفي التفسير للمكاء بكلِ الأحوال فيه ردٌّ على الجهلةِ من الفئةِ المتصوفةِ الذين يرقصون ويصفقون ويصعقون، فهذا كُله من الأمورِ المُنكرةِ في العبادات ومن يفعل مثل هذا فقد تشبَّهَ بالمشركين وبمكائهم عند البيتِ الحرام.
وورد أن سبب نزول هذه الآية هو أنه كانَ إذا صلّى رسول الله في المسجد الحرامِ قامَ رجلان من بني عبدِ الدَّار عن يمينِهِ فيصفِران، ورجلان عن يسارِهِ يُصفقان فكانت تختلطُ الصلاةُ على رسول الله، وتختلطُ عليهِ قراءَةَ القُرآنِ فيها فقتلهم الله تعالى في غزوةِ بدر، ولهذا جاءَ في ختامِ الآيةِ قول الله تبارك وتعالى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}، وهو جزاء من الله تبارك وتعالى لمحاولتهم إشغال رسول الله عن صَّلاتِه وعبادتِهِ عن طريقِ التصفيرِ والتصفيق.
اقرأ أيضا: معنى آية الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
إعراب آية وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية
- وَمَا: الواو استئنافيّة، ما حرف نفي.
- كَانَ: فعلُ ماضٍ ناقص.
- صَلَاتُهُمْ: صلاةُ اسم كان مرفوع وعلامة رفعِهِ الضمةُ على آخره وهو مضاف، هم ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.
- عِندَ: ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وهو متعلّق بمحذوف حال من الصلاة.
- ٱلْبَيْتِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جرهِ الكسرة.
- إِلَّا: أداة حصر.
- مُكَآءً: خبر كان منصوب وعلامة نصبهِ الفتحة.
- وَتَصْدِيَةً: الواو حرف عطف، تصدية اسمٌ معطوفٌ على ما قبله منصوب.
اقرأ أيضا: معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم
فوائد من آية وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية
يستفاد من قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً}، عدة من الثمراتِ ومنها أن بيت الله الحرام هو للذين آمنوا وعبدوا الله تعالى وأخلصوا له بالعبادة، وأقاموها كما يرتضيها الله تعالى، من غيرِ تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تشبُهٍ بالمشركين.
كما يستفاد من الآية أنه لا يجوز في الصلاة أي من الحركات الزائدةِ عما أمر الله تعالى، ولا يجوز الابتداع أو التقليد في الصلاة، مهما كان السبب في ذلك كما وبينت هذه الآية الكريمة أهمية بيت الله الحرام وحرمته، فهو البقعة الطاهرة في هذه الأرض وهو أشرف الأماكنِ عليها، ولهُ حُرمةٌ وخصوصيةٌ ذكرها الله سبحانه تعالى في العديدِ من آياتهِ في كتابِهِ العزيز.
اقرأ أيضا: معنى آية ومنهم من يلمزك في الصدقات