تناولت سورة يس ثلاثة مواضيع أساسيّة وهي: الإيمان باليوم الآخر والنّشور والأدلّة والبراهين على وحدانيّة ربّ العالمين وقصّة أهل القرية، وفي خضم ذلك تحدثت عن مصير المجرمين؛ لذلك يكثر البحث عن معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون الواردة في سورة يس وما تُرشد إليه من فوائد شديدة الأهمية.
معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون
إنّ معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون عند السعديّ أي: تميّزوا وانفردوا عن المؤمنين، وابتعدوا عنهم، لأنّكم واردون غير موردهم، ليختصّهم الله تعالى بالتوّبيخ والتّقريع على رؤوس العباد قبل إدخالهم النّار.
قال القرطبيّ في تفسيره: يقال هذا للمجرمين عند إدخال أهل الجنّة الجنّة، فيطلب من الكفّار والمجرمين أن يخرجوا من جملتهم، فتمتاز كلّ فرقة على حدة، ويمتاز المسلمون من المجرمين، إلّا أصحاب الأهواء والمتقلّبون، فيكونون مع المجرمين.
ثمّ يقول لهم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ}، أي: ألم آمركم وأنبّهكم، على ألسنة أنبيائي ورسلي، وأقول لكم: {يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، أي: أن لا تطيعوه في معصية الله، وفيما يأمركم به؟ وهذا التّوبيخ، يدخل ضمنه التّوبيخ عن كلّ أنواع الكفر والمعاصي، لأنّ جميع معاصيهم طاعة للشّيطان وعبادة له، ثم أخبرهم بقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، أي: فحذرتكم منه غاية التّحذير، وأنذرتكم بأن تبتعدوا طاعته، وأخبرتكم بما يرغّبكم به، ويدعوكم إليه.
وقوله تعالى: {وأَنِ اعْبُدُونِي}، أي: أمرتكم أن التزموا بامتثال أوامري وهجر زواجري، {هَذَا} أي: عبادتي والوقوف عند طاعتي، ومعصية الشيطان بكلّ أوامره، {صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، أي: فمعرفة الصّراط المستقيم وأعماله والالتزام؛ ترجع إلى أمرين اثنين، أي: فلم تحافظوا على عهد الله، ولم تعملوا بوصيتيّته وتعاليمه، فواليتم عدوّه وعدوكم، فأضلّ منكم خلقًا كثيرًا.
ونقل صاحب الطّبري في تفسيره تأويل قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: تميّزوا؛ وهي افتعلوا، من الفعل ماز يميز، فعل يفعل، والخماسي المزيد منه: امتاز يمتاز امتيازًا، يقال لهم هذا عند وقوف الخلق أمام الخالق للسّؤال حين يؤمر بأهل الجنّة بأن يدخلوا الجنّة، فامتاز وتميّز القوم بعضهم عن بعض، إذا انفصل كل فريق عن غيره؛ أي: عزل الكافرون عن كلّ خير، وأخرجوا من بين المؤمنين لاختلاف المنزلة.
قال: فينفصل الكافرون المجرمون بعضهم عن بعض، فيمتاز اليهود فرقة والنّصارى فرقة والصّابئون فرقة والمجوس فرقة وعبدة الأوثان فرقة، وقال داود بن الجراح: فينفصل المسلمون عن المجرمين لاختلاف منزلتهم، إلا أصحاب الأهواء المتقلّبون بمبادئهم وعقائدهم، فيكونون مع المجرمين.
وقال الضّحاك: إنّ لكلّ مجرم وكافر في نار جهنّم بيتًا، فيدخله الكافر ويوصد عليه بباب من نار، فيبقى فيه أبد الآبدين، لا يرى ولا يُرى. وجاء في تفسير الطّبريّ بأن تأويل قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: تميّزوا أيّها المجرمون الكافرون بالله تعالى من المؤمنين اليوم، فإنّ موردكم غير موردهم، ومصيركم غير مصيرهم.
وقال أحمد حطيبة في تفسيره في قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، أي: ابتعدوا عن مصاحبتكم للمؤمنين، لأنّكم لستم معهم في الجنّة، ولا نور لكم كنورهم، فيؤخذون إلى النّار التي هي مصيرهم.
وقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، أي: ألم أحذركم من الشّطان، ومن خطر طاعته وعبادته من دون الله تعالى، قوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، أي: إنّ عداوة الشّيطان ظاهرة واضحة، وقد حذرّناكم الشّيطان مرارًا وتكرارًا، وكيف أخرج بآدم من الجنة، وكيف توعدكم بأن تدخلوا النّار سويّة معه، فلا عذر لكم في اتّباعه بعد ذلك.
ومعنى قوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، أي: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا في عبادته أحدًا غيره، هذا هو الصراط الذي أرشدناكم ودللناكم عليه، وينجّيكم من عذاب الله تعالى إذا سلكتموه.
اقرأ أيضا: معنى آية وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء
فوائد من آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون
- إثبات ربوبيّة الله تعالى، بأنّه المتحكّم في هذا الكون في الدّنيا وفي الآخرة، وهو الذي يجزي كلًّا حسب عمله.
- التّمييز بين المؤمنين والمجرمين يوم القيامة، كما تميّز بينهما في الدّنيا لأنّ جزاء المؤمنين في الآخرة غير جزاء المجرمين ومستقرّ المؤمنين غير مستقرّ المجرمين، وإنّ طريق هؤلاء غير طريق هؤلاء.
- إهانة المجرمين يوم القيامة من خلال طردهم من زمرة المؤمنين، ثمّ إدخالهم إلى مستقرّهم المعدّ لهم بظلمهم وإجرامهم، وهو نار جهنّم.
- إثبات رحمة الله تعالى بعباده إذ لم يجعل إيمانهم به وإخلاصهم له موكولًا إلى عقولهم، بل عهد إليهم بذلك على ألسنة أنبيائه ورسله.
- وجوب حذر العباد من طاعة الشّيطان، لأنّ طاعة الشّيطان لا تكون إلّا في معصية الله تعالى، وهذا مآله إلى جهنّم وبئس المصير.
- وجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك، وهو الطّريق المؤدّي إلى الجنّة ونعيمها.
اقرأ أيضا: معنى آية هيهات هيهات لما توعدون