سورة آل عمران هي السورة الثالثة في ترتيبِ المصحف، وقد نزلت بعد سورة الأنفال، وسُميت بهذا الاسم لأنَّه قد ورد فيها قصة آل عمران، وعمران هو والد مريم العذراء أم نبي الله عيسى عليه السلام، ويهتم المسلمون بمعرفة معاني هذه السورة المباركة وخاصةً الآيات التي كانت موضع خلاف في تأويلها عند المفسرين مثل معنى آية والراسخون في العلم وما يُستنبط منها من ثمرات.
معنى آية والراسخون في العلم
ورد في سورةِ آل عمران قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ومعنى الآية أنّ الله هو وحده الذي أنزل القرآن، فمنه آيات واضحات الدلالة، هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه، ويُرَدُّ ما خالفه إليه، ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني، لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم، فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها؛ ليثيروا الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة.
ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن، كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويردُّون متشابهه إلى محكمه، وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.
وكان التعريف بـ “الراسخون في العلم” موضع خلافٍ بين أهلِ التأويل لاختلافهم في موضعِ الوقوف وهو كما يأتي:
- قيل يكون الوقوف على لفظ الجلالة الله في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}، ويكون ما بعدها قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}، جملةً مستأنفةً.
- وقيل لا يكون الوقوف متعينٌ على لفظ الجلالة لأنَّ الواو عاطفة لا مستأنفة فتكون جملة الراسخون في العلم معطوفة على لفظ الجلالة، والوقوف عليها يعتمدُ على معنى التأويل وما يُراد به.
فإن قُصدَ بالتأويل التفسير أي ىيان كتاب الله تعالى، فإنه يصح عطف الجملة على لفظ الجلالة الله فتكون الآية {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، ويكون بذلك معنى الآية أن الراسخين في العلم يعرفون معنى المتشابه من القرآن ويفسرونه بالطريقة التي أمرَ بها تعالى وهو رد المتشابه من كتاب الله إلى المحكم منه.
وإن قُصدَ بالتأويل أنّه معرفة مآل الشيء وكيفيته وما يؤول إليه الشيء مما أخبرَ تعالى عنه من الغيبيات؛ وهذا العلم يختص بالله تعالى وحده ولا يعلمهُ أحدٌ غيره فيتعين عندها الوقوف على لفظ الجلالة وتكون الجملةُ ما بعدها استئنافية.
والوقوف على لفظ الجلالة في هذه الآية يعني أن الحقيقة التي يؤول إليها وما هو عليهِ من كيفية مما أخبر الله تعالى عنه في كتابِهِ العزيز وجميع الأمور الغيبية كذات الله وصفاتِهِ واليوم الآخر وما فيه من عذابٍ ونعيمٍ وغيرها من الغيبيات فهذا علمٌ يختصُ بالله تعالى وحدَه دون غيره، ومن هذا ما قاله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}، والمقصود بتأويله في هذه الآية حقيقته التي يؤول إليها وكيفيته وليس معناه وتفسيره.
والراسخون بالعلم هم من أتقنوا علمهم بحيث لا يدخلُ الشك إلى معرفتهم، والرسوخُ هو الثبوت، أي إيمانهم وعلمهم ثابتٌ في قلوبِهم، وقيل أن الراسخون بالعلم هم علماء من آمن من أهلِ الكتاب، وسُئل مالك بن أنس عن الراسخون في العلم فقال: “العالم العامل بما علم المتبع له”.
وقيل أنّ الراسخون في العلم من وُجدَ في علمِهم تقوى الله تعالى، والتواضعُ مع النّاس، والزهدُ في الدنيا والمجاهدةُ بينهُم وبينَ أنفسهم، قال ابن عباس والسدي ومجاهد: بقولهم آمنا به سماهم الله تعالى راسخين في العلم، فرسوخهم في العلم قولهم: آمنا به، أي بالمتشابه {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}، المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم {وَمَا يَذَّكَّرُ}، وما يتعظ بما في القرآن {إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، ذوو العقول”.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا بدلنا آية مكان آية
فوائد من آية والراسخون في العلم
تزخرُ آياتُ الله تباركَ وتعالى بالفوائدِ والحكم، وفي كُلِّ آيةٍ من آياتِ القرآن الكريم ثمراتٌ يجنيها القارئُ لِكتابِهِ ويُستفاد من قول الله تبارك الله وتعالى في سورة آل عمران: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، عدةٌ من الثمرات منها ما يأتي:
- أنَّ للعلمِ وأهلِه منزلةٌ عند الله تعالى، وقد أثنى الله تعالى في كثيرٍ من آياتهِ على العلماء، فهم يعلمونَ مراد الله تعالى ويُصدقون ما أنزله تعالى لعبادِهِ.
- أنَّ كتاب الله تعالى هو الحقُ من عنده، وأن جميع ما جاءَ به يجبُ الإيمان به والعمل به وتصديقه، وهناك أمورٌ غيبيةٌ قد جاءت في القرآن الكريم ينبغي تصديقها والإيمان بها من غيرِ البحث عن تأويلها بالمعنى الذي ذُكرَ وهو كشفُ الشيء على حقيقته، بل يجب التسليم والإيمان والتصديق فكل ما جاءَ في كتابِ الله هو الحقُ من عنده الذي لا يعتريه الباطل.
اقرأ أيضا: معنى آية كنتم خير امة اخرجت للناس