معنى آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت

قال تعالى في سورة التوبة: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، ويبحث الكثيرون عن معنى آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وقصة نزولها والفوائد المستخلصة منها.

معنى آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت

معنى آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت

إنّ معنى آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي أنّ الأرض برغم سعتها ورحابتها قد ضاقت على هؤلاء الذين تخلّفوا عن الجهاد مع رسول الله بسبب ما عانوه من الهم والندم والحزن.

ولا بدّ من الحديث عن قصة هؤلاء ليُفهم معنى هذه الآية بشكلٍ دقيق، فقد جاءت على لسان كعب بن مالك وهو أحد هؤلاء الثلاثة وقال بأنّه لمّا كانت غزوة تبوك كان في أفضل أوقاته بالنسبة لامتلاك الزاد والراحلة، وكانت تلك الغزوة في فترة شدّة فالحرّ شديد والزاد قليل، وقد كان كعب ينتظر ثماره كي تنضج فتأخر عن اللحاق برسول الله وما زال يمهل نفسه حتى أدرك أنّه لم يعد بإمكانه اللحاق به والانضمام إلى جيشه المتوجّه إلى الشام.

فلمّا عاد رسول الله والمسلمون إلى المدينة خرجت طائفة من الذين لم يذهبوا للجهاد واعتذروا لرسول الله عن ذلك وذكروا أعذارهم فقبلها منهم واستغفر الله لهم وعاملهم بناءً على ما ظهر من علانيتهم وترك سرائرهم إلى الله تعالى.

إلّا أنّ كعبًا لم يكن لديه عذر فجاء إلى رسول الله وأخبره بما حصل بكلّ صدق، فقال له رسول الله اذهب حتى يحكم الله بأمرك فلمّا خرج من عنده عاتبه قومه على ذلك، وقالوا له لو أنّه وجد عذرًا كغيره من المخلفين، فسألهم إن كان هو وحده أم معه أحد فأخبروه بأنّ مرارة بن الربيع وهلال بن أمية لم يكن لديهما عذر وأجابهما رسول الله بنحوٍ ممّا قاله له.

وقد أمر رسول الله المسلمين أن يعتزلوا هؤلاء الثلاثة فلا يُخالطوهم ويهجروهم، فاجتنبهم الناس وكان لهذا جميعه تأثيرٌ كبير على نفوسهم وقد جلس كل من مرارة بن الربيع وهلال بن أمية في بيتهما يبكيان ندمًا وحزنًا.

أمّا كعب فقد استمر بالخروج ومخالطة المسلمين والصلاة خلف رسول الله في المسجد، واستمر هذا الحال خمسين يومًا وقد أُمروا بعدم الاقتراب من نسائهم، فاشتد الحال عليهم ووصف الله -عزّ وجل- حالهم بقوله: {حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}، ثمّ نزلت توبتهم فتغيّرت حالهم وانقلب ضيق الأرض إلى اتساع ورحابة.

ومن الآيات المرتبطة بهذه الآية قوله تعالى: {لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، فقد عطف الله تعالى توبة الثلاثة الذين خُلّفوا على توبته على النبي والمهاجرين والأنصار.

وقال القرطبي أنّ أهل التفسير قد اختلفوا في معنى توبته عليهم، فقال البعض بأنّ الله تعالى وفقهم للتوبة ليتوبوا، وقال آخرون أي فسح لهم المجال ولم يُعاجلهم بالعقوبة حتى تابوا وأنابوا، وقيل: تاب عليهم ليثبتوا على التوبة، وقيل: تاب عليهم كي يرجعوا ويعودوا إلى حال الرضا.

كما ذكر الإمام الرازي عند تفسيره لهذه الآية أنّ هؤلاء الثلاثة هم المقصودون في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال أنّ العلماء اختلفوا في دلالة قوله: “خُلّفوا”، فذكر البعض أنّ المعنى تخلّفوا وتأخروا، وقال آخرون أنّ رسول الله خلّفهم أي أعطاهم مدّة لتجهيز أنفسهم ولكنّهم توانوا حتى فاتهم اللحاق به، وقال آخرون المعنى أنّ توبتهم قد تأخرت وهذا المعنى الذي قاله كعب بن مالك عند الحديث عن تلك القصة.

وقد قال البقاعي أنّ الله تعالى أشار إلى حالهم بحرف الجر “على” وهو يٌفيد الاستعلاء، أي أنّ الأرض مع شدّة اتساعها قد ضاق عليهم فسيحها واتساعها.

اقرأ أيضا: فضل سورة التوبة

فوائد آية حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت

اقرأ أيضا: معنى آية قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version