قال الله تعالى في سورة التوبة: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}، وذلك في سياق الحديث عن صفات المنافقين عندما فضحهم في هذه السورة الكريمة، ويجب على كل مسلم معرفة معنى آية ومنهم من يلمزك في الصدقات وما تُرشد إليه من مقاصد بالغة الأهمية.
معنى آية ومنهم من يلمزك في الصدقات
إنّ معنى آية ومنهم من يلمزك في الصدقات أي إنّ من المنافقين من يطعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعيب عليه في أمر الصدقة وفي توزيعها، حيثُ كانوا يقولون: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي الصدقات لمن يحبَّ أكثر ويطعنون فيه وفي حكمه، ولكنَّهم يرضون عندما يعطيهم الرسول من الصدقات أكثر، أما إذا لم يعطهم يسخطون ويتذمرون.
وقد وردَ أنّ الآية نزلت في ابن ذي الخويصرة التميمي، حيث جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: “كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ وَهوَ في حِجرِ بلالٍ، فقالَ رجلٌ: اعدِل يا محمَّدُ فإنَّكَ لم تعدِلْ، فقالَ: ويلَكَ، ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ؟، فقالَ عمرُ: دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ هذا في أصحابٍ أو أُصَيحابٍ لَه يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ”.
وفي تفسير السعدي أنّ المنافقين كانوا يعيبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسمة الصدقات، وينتقدونه فيها، ولم يكن انتقادهم فيها وعيبهم صحيحًا ولم يكن دعوة حق، ولا بسبب رأي سديد، ولكن كانت غايتهم أن يأخذوا من الصدقات بسبب الطمع المتأصل في نفوسهم، ولذلك لا يجبُ أن يكون رضى وغضب العبد تبعًا لهواه وأغراضه الدنيوية، بل يجب أن يكون الغضب لله تعالى والرضى له كذلك، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
المباحث اللغوية في آية ومنهم من يلمزك في الصدقات
عند توضيح معنى آيةٍ من كتاب الله تعالى، لا بدَّ من التعرُّف على المباحث اللُغوية لهذه الآية مثل معاني المفردات والكلمات فيها من أجل الإحاطة بالمعنى الدقيق والأقرب للصواب وتحديد المقصود من الآية بشكل أكثر دقة، إضافةً إلى إعراب الآية، وفيما يأتي بيان معاني المفردات في آية ومنهم من يلمزك في الصدقات:
- يلمزك: من الفعل لمَز ويلمزُ لمزًا، والفاعل منه لامزٌ والمفعول مَلمُوز، ومعنى لمزَ الشخصَ: أشار إليه برأسه أو بعينيه أو بشفتيه مصحوبًا مع كلام خفيٍّ أو منخفض في ذكر عيبوبه، وبمعنى آخر: عابه في وجهه، ولمزَ الولدَ: ضربه، وتأتي أيضًا بعدة معاني أخرى، مثل: لمزه الشيب: ظهر فيه، لمزه: دفعه، واللمزُ هو الطعنُ في أعراض الناس، وعمومًا يكون معنى لمزَه: عابه، وبهذا المعنى جاءت كلمة يلمزوك في الآية الكريمة السابقة.
- الصدقات: الصدقة من الفعل صدقَ ويصدقُ وصدقًا، والفاعل صادق والمفعول مصدوق، ومعنى صدق في قوله: عكس كذب أي قال الحقيقة، والصدقة: ما يعطى من أجل التقرب إلى الله تعالى، وهي ما يعطى للفقراء طواعية رجاء الثواب من الله تعالى، وهي غير الزكاة المفروضة على المسلم، وقد يُطلق اسم الصدقة على الزكاة، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}.
أما بالنسبة إلى إعراب الآية، فهو على النحو التالي:
- ومنهم: الواو حرف عطف، منهم: من حرف جر، والهاء ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والميم للدلالة على الجمع، وهما متعلقان بخبر مقدم محذوف للاسم الموصول بعده.
- من: اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل رفع خبر مبتدأ مقدم،
- يلمزكَ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
- في: حرف جر.
- الصدقات: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
اقرأ أيضا: معنى آية غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فوائد من آية ومنهم من يلمزك في الصدقات
- إنّ المنافق هو من يغضب لأطماعه الدنيوية وأغراضه التافهة الفانية ولأهوائه التعيسة ولا يقدِّم وجهَ الله تعالى على ذلك.
- إنّ المؤمن لا يغضب ولا يرضى إلا من أجل الله تعالى وابتغاء مرضاته.
- إنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يتكلم إلا بوحي، وحاشاه أن يظلم في قضية غاية في الأهمية تمسُّ توزيع الصدقات والغنائم، أو أن يتبع هواه في ذلك.
- إنّ المسلم يجب عليه إظهار الطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أتى به من عند الله، فقد أرسله الله تعالى وأوحى إليه وأمر المسلمين باتباعه وطاعته، حيثُ قال تعالى في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
- إنّ الله تعالى حدَّد الفئات التي تستحقُّ الصدقات في سورة التوبة وهم: الفقراء والمساكين والذين يعملون على جمعها وتوزيعها والمؤلفة قلوبهم أصحاب الإيمان الضعيف وفي فكِّ الرقاب وابن السبيل وفي سبيل الله تعالى، حيثُ قال جلَّ من قائل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم