يحرص الكثير من المسلمين على معرفة معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الواردة في سورة النور حيث تُعدّ من أبرز الآيات في بيان صفات المؤمنين من أهل المساجد وجزائهم عند الله في الدار الآخرة.
معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
إنَّ معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يصف أهل المساجد بأجمل الصفات وأجلِّها، وإنَّ أول ما وصفهم به بأنَّهم رجالٌ، فقال عنهم: أنَّ هؤلاء الرجال لا يُشغلهم أيُّ أمرٍ من أمور الدنيا الزائلة عن ذكر الله -عزَّ وجلَّ- وإقامة الصلاة في المساجد وعمارتها، كما أنَّ حبَّ المال لم يكن مانعًا لهم من إنفاقه في سبيل الله وفي وجوه الخير.
يرجع السبب في تخصيص الرجال في الآية الكريمة إلى أنَّ صلاة الجمعة والجماعة في المسجد ليست بواجبة على النِّساء، أمَّا سبب تخصيص التجارة والبيع يرجع إلى أنَّهما أعظم ما ينشغل به المرء عن الطاعات والصلاة.
وأمَّا في قوله تعالى: {عَن ذِكْرِ اللَّهِ} فالمقصود هنا الصلوات الخمس، وسبب تكرار الحديث عن الصلاة في قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}، دلالة على ضرورة حفظ المواقيت.
وعليه، فإنَّ المعنى الإجمالي أنَّ هؤلاء الرجال لا يلهيهم شيءٌ عن الصلوات الخمس ولا عن إقامتها في أوقاتها المعلومة، وإنَّ هذا الحرص الشديد على أداء الصلوات الخمس في المساجد وإيتاء الزكاة يرجع إلى خوفهم من اليوم الذي تتقلب فيه القلوب بين الخوف من الهلاك والطمع بالنجاة وتُقلّب فيه الأبصار وذلك بأي ناحية سيؤخذ بهم، هل من جهة اليمين أم الشمال، ومن أي ناحية سيؤتى كتابهم.
وقيل أيضًا في تأويل قول الله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، أنَّ القلوب تتقلب في جوف المرء فترتفع إلى الحنجرة ولا تنزل ولا تخرج، وتقلُّب الأبصار يكون بشخوصها، وكلُّ ذلك بسبب شدة هول الأمر.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذكر في الآية الكريمة {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}، ولم يقل أداء الصلاة، لأنَّ في الإقامة معنىً زائد على الأداء، حيث أنَّ إقام الصلاة تعني أن يقوم المسلم بأداء الصلاة بأركانها من تكبيرٍ وقيامٍ وركوعٍ وسجود وشروطها من دخول الوقت وطهارة المكان والثياب والبدن، إضافة إلى أنَّ إقامة الصلاة تشمل خشوع القلب، أمَّا الأداء فهو جزءٌ من الإقامة.
ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال بعض المفسرين في قول الله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وفيما يأتي ذلك:
- تفسير السعدي: يسبح في المساجد رجالٌ لا يؤثرون الحياة الدنيا على رضا الله -عزَّ وجلَّ- بما فيها من لذاتٍ ومكاسب ولا تُشغلهم عنه، بل يجعلون طاعة الله وعبادته الغاية التي يسعون إليها، وبالرغم من صعوبة ترك الدنيا لتعلُّق القلوب بها إلَّا أنَّ الله يسر ذلك على المؤمنين بذكر ما يدعوهم إلى تركها من أهوال يوم القيامة.
- تفسير البيضاوي: أنَّ هؤلاء الرجال لا يشغلهم عن ذكر الله -عزَّ وجلَّ- وتأدية فرائضه من صلاة وزكاة أي معاملة رابحة من تجارة وبيع، وقد تمَّ تخصيص البيع لما فيه تحققٌ أكبر من الربح، أمَّا الشراء فإنَّ الربح به مُتوقع، وقيل أنَّ المراد بالتجارة هنا هو الشراء فقط لأنَّه أصلها، وهؤلاء الرجال على ما هم عليه من طاعة وعبادة إلَّا أنَّ قلوبهم تضطرب من شدة يوم القيامة وأهواله، أو أنَّها تتقلب فتفقه وتبصر ما لم تكن تفقهه وتبصره سابقًا.
اقرأ أيضا: معنى آية نور على نور
إعراب آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
الأصل في من أراد فهم القرآن الكريم ومعرفة قراءاته، أن يكون على اطَّلاعٍ كافٍ بعلم النحو والإعراب، لما فيه من أثرٍ كبيرٍ في اختلاف معنى الآية عند اختلاف الحركة الأعرابية في آخر الكلمة، ويتمثل إعراب آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع فيما يأتي:
- رجال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- لا: نافية.
- تلهيهم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والضمير المتصل “هم” مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
- تجارةٌ: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- ولا: “الواو” واو العطف، و”لا” زائدة.
- بيعٌ: اسم معطوف على تجارة، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تخف ولا تحزن إنا منجوك
فوائد من رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
- تُقاس الرجولة بقدر التزام المسلم أوامر الله -عزَّ وجلَّ- وطاعته.
- أهل المساجد والذكر هم أهل الخير والفضل.
- رغم أنَّ التجارة والبيع من الأمور المباحة في الشريعة الإسلامية إلَّا أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- امتدح من ترك اللهو فيها عن الذكر وإقام الصلاة، وهذا يعلِّم المسلم أنَّ ترك المكروهات والمحرمات أولى.
- من جعل خشية الله نصب عينيه، لا يسوؤه ترك ما ينفعه في سبيل رضا الله عنه.
- الأولى والأحرى بالمسلم تقديم الفرائض على النوافل والمباحات.
- من الحكمة تقديم ما هو أنفع على ما هو نافع.
- إنَّ أهوال يوم القيامة شديدة على الخلق، لذلك ينبغي على المسلم أن يحسن العمل.
اقرأ أيضا: معنى آية سيجعل لهم الرحمن ودا