كانت الغاية من سورة الحجّ هي الحديث عن أهوال يوم القيامة ودار الحساب، كما وتحدّثت عن مدى عجز الأصنام والأوثان عن فعل أصغر ما يمكن فعله؛ ألا وهو خلق ذبابةٍ أو حتى أصغر منها، مع تبيين قدرة الله على خلق كلّ شيءٍ مهما صغر حجم ذاك الشيء أو كبُر، كما بيّنت وشرحت مراحل خلق اللهِ للإنسان، ومن بين آيات سورة الحجّ العظيمة قوله تعالى: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}، ويكثر البحث عن معنى آية ولهم مقامع من حديد وما تضمنه من مباحث لُغوية هامة.
معنى آية ولهم مقامع من حديد
إنّ معنى آية ولهم مقامع من حديد باعتباره سياق الآيات التي ذُكرت فيه: هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر، كل يدَّعي أنه محقٌّ، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها، فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط، وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد. كلما حاولوا الخروج من النار -لشدة غمِّهم وكربهم- أعيدوا للعذاب فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار المحرق.
جاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحديّ أنّ المقامع تعني: السّياط، وحدّد القرآن الكريم مادّة تلك السياط؛ حيث قال تعالى: مقامع من حديد؛ أي: سياطٌ من حديد، فهي طريقةٌ من طرق تعذيب الكفّار الذين يجادلون في الله بغير علم.
كما جاء في تفسير الآية أنّ مفرد مقامع: مقمعة، والمقمعة أداةٌ تشبه الجرز، مصنوعةٌ من الحديد، ويُقال قمعتُ رأسه؛ أي: ضربته ضربًا شديدًا وعنيفًا.
ومن الدلائل على قوّة تلك الأداة المذكورة في سورة الحجّ: مقامع من حديد ما جاء في حديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في وصف قوة المقامع قوله: “لو أنَّ مِقْمَعًا من حديدٍ وُضِعَ في الأرضِ فاجْتَمَعَ له الثَّقَلَانِ ما أَقَلُّوهُ من الأرضِ، ولو ضُرِبَ الجبلُ بمِقْمَعٍ من حديدٍ كما يُضْرَبُ أهلُ النارِ، لَتَفَّتَتَ وعاد غُبَارًا”. (( الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند | الصفحة أو الرقم: 11233 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وقد قال ابن عباس في الآية: “يُضربون بها، فيقع كلُّ عضوٍ على حِياله، فيدعون بالثبور”، وفي ذلك دليلٌ على مدى قوّة المقامع.
اقرأ أيضا: معنى آية فيسحتكم بعذاب
المباحث اللغوية في آية ولهم مقامع من حديد
لا بدّ من المرور على بعض معاني كلمات الآية، بالإضافة إلى شرحِها شرحًا لغويًّا دقيقًا كما ورد في معاجم اللغة العربية؛ حيث ورد لكلّ كلمةٍ عدّة معانٍ بحسْب السياق الذي سترد فيه، ومن المعاني الواردة في بعض مفردات الآية الكريمة:
المقامع: اسم جمع مفرده مِقمَعة، والمقمعة هي عبارةٌ عن خشبةٍ أو حديدةٍ معوجَّة الرَّأس، يُضرب بها رأسُ الإنسان أو الحيوان بغرض إهانته وإذلاله، والفعل منها: قَمَعَ، ويُقال: قَمَعَ الشّخص: أبعدَه عمَّا يُريد وقهره وزجره، وقيل أيضًا: قَمَعَ الولدَ: أي ضربه بالمِقمَعة أو ضربه أعلى رأسه، ويقال: قمعت المرأة بنانها بالحنّاء: خضبت أطراف بنانها بالحِنَّاء، وقَمَعَ فيِ البيت: أي دَخَلَهُ هارباً، وقَمَعَ الإِناء: أدخل فيه القميع ليصبَّ فيه السّائل، وقمَعَ ما في الإِناء: شربه وتناوله، ويُقال: قَمَعَ البلح: أي قلعَ قِمعَه، وقَمَعَ سَمْعه لفلان: أنصتَ له، وورد أيضًا: قمعَ البردُ النبات: أحرقه.
حديد: اسمٌ مفرد، الجمع منه: حدائد، والحديد: فلزٌ يجذبه المغناطيس، قابلٌ للصدأ، ومن أنواعه: الحديد الزّهر والحديد المطاوع والحديد الصّلب، ويُقال: أصلبُ من الحديد؛ أي: عنيد، وقلبه كالحديد؛ أي بقساوة الحديد.
وورد أيضًا: يضرب بالحديد والنّار؛ أي: بقوّة السلاح، وضربَ بيدٍ من حديد: بحزمٍ وشدّة، وضرب في حديدٍ بارد: كنايةً عن العمل بلا جدوى؛ أي: بذل جهدًا ضائعًا، والحديدُ المطاوع: هو الحديد القابلُ للطرق والتشكيل، أمّا الحديدُ الزَّهر فهو: نوعٌ من أنواع الحديد الغنيّ بالكربون والسيليكون والمنغنيز، ذو صلابةٍ عالية، يُشكَّل بالصّبّ في القوالب، وهو نوعٌ قابلٌ للضّغط، وتصنَع منه أجسام الماكينات.
ويقال أيضًا: مكبّلٌ بالحديد: مكبّلٌ بالأغلال والسلاسل، كما يُقال: الحديدُ بالحديد يُفْلَحُ: أَي لا يَقْطَعُ ما هو معدنيٌّ إلا المعدن، ويُقال: أمرٌ حَدَد: أي ممتنعٌ باطل، وما لي عن هذا الأمر حَدَدٌ: أي ما لي عن هذا الأمر بدّ.
وبعد الحديث عن معنى آية ولهم مقامع من حديد، وتناول بعض معاني مفرداتها والوقوف عليها، يصبح أمر الإعراب من السهولة واليسر بمكان؛ ولا سيما آية: {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}؛ فهي من الآيات البسيطة السهلة على الرغم من هول معناها، وفهمُ المعنى كان دائمًا أولُ خطوات الإعراب وحجر الأساس في إعراب أي كلامٍ عربيّ، والعكس من هذا صحيح؛ فإنّ للإعراب دورٌ في فهم المعاني، وإعرابُ الآية كما بيّنه علماءُ النّحو هو كالآتي:
- الواو: استئنافيّة، لا محلّ لها من الإعراب.
- لهم: اللام: حرف جرّ، هم: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرٍ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلقان بخبرٍ محذوفٍ تقديره “كائن”.
- مقامعُ: مبتدأ مؤخّر مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمة الظّاهرة على آخره.
- من: حرف جرّ.
- حديد: اسمٌ مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظّاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفةٍ لمقامع.
- جملة “ولهم مقامع”: فهي جملة استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب، وبذلك يكون قد تمّ إعراب الآية بتمامها بإذن الله، وسيتحدّث المقالُ فيما يأتي عن الثمرات المُستخلصة من الآية.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تجأروا اليوم