إنّ قراءة القرآن الكريم بتدبّر تُكسب المؤمن فوائد كثيرة أكثر من أن تُحصى، منها أنّها تُعمّق الإيمان بالله تعالى واليقين بأنّ القرآن الكريم من عند الله تعالى، وتزيد من خشوع المؤمن في صلاته إن قرأه بتدبّر، ولذلك يكثر البحث عن معاني آيات القرآنية مثل معنى آية وعنت الوجوه للحي القيوم الواردة في سورة طه.
معنى آية وعنت الوجوه للحي القيوم
إنّ معنى آية وعنت الوجوه للحي القيوم أي أنّها تذلّ وتستسلم لله تعالى كما قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فيما نُقل عنه من بعض المُفسّرين وبعض السّلف؛ إذ العنوّ أصله الذلّ، فمنه قالوا عنا وجه فلان لربّه إذا خضع وذل، ومنه قالوا للأسير عانٍ؛ لذلّ الأسر.
واختار بعض السلف أنّ المقصود هو الخشوع؛ عنت الوجوه إذا خشعت، وهو قول مجاهد بن جبر التابعي المعروف اختصارًا بمجاهد، وذهب بعض السلف إلى أنّ المقصود بهذه الآية هو السجود لله -تعالى- وإظهار الذل إذا سجد الرجل على يديه وركبتيه وقدميه وجبهته وأنفه، وهو قول طلق بن الحبيب التابعي المعروف.
وللعلماء في تأويل العنو مذهبان الأوّل أنّه في الآخرة يوم القيامة، والثاني أنّه في الدنيا وقد كنّى بالوجوه عن الناس؛ لأنّ آثار الذلّ تظهر على وجه الإنسان، كما أنّ للعلماء في كلمة القيّوم ثلاثة مذاهب؛ الأوّل أنّه “القائم بتدبير الخلق”، والثاني أنّه “القائم على كلّ نفس بما كسبت”، والثالث أنّه “الدائم الذي لا يزول ولا يبيد”.
وأمّا قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} فالعلماء على أنّ الظلم هو الشّرك بالله، وسيخسر الخسران المبين من جاء حاملًا في قلبه شرك بالله تبارك وتعالى، ونُقل هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما، والله هو أعلى وأعلم.
ومن الثمرات المقتطفة من قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، أن يتيقّن المسلم بعاقبة الظلم يوم القيامة؛ إذ يومها ستذلّ الخلائق لله جلّ وعَلَا، وسيلقى الظالم جزاء ما كسبت يداه، وهذا من شأنه أن يردع الناس عن ارتكاب الظلم الذي قد حرّمه الله -تعالى- على نفسه وجعله بين الناس محرّمًا.
يروي أبو ذرّ الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عنه ربّه في الحديث القدسيّ المشهور أنّه تعالى قال: “يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا”. (( الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2577 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
فالإنسان حين يعلم أنّ الظلمَ مرتعُهُ وخيمٌ، وأنّ الله قد نهى عن الظّلم، وأنّ جزاء الظلم يوم القيامة سيكون عظيمًا فإنّه سيرتدع من نفسه عن ارتكاب أنواع الظلم كافّة سواء كان ظلمًا عظيمًا كالإشراك بالله تعالى -والذي حمل أكثر المفسّرين معنى الآية عليه- أم كان ظلمًا يمارسه في بيته أو في عمله أو في مناحي حياته الأخرى.
ومن الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من هذه الآية أيضًا أنّ الظّلم يقود إلى الفساد والإفساد؛ كفساد الهيئات العلميّة أو العمليّة كدوائر الدولة والتعليم ونحوها، أو قد يكون فساد في القلوب، وإذا فسدت القلوب فسد المجتمع وخابت تلك الأمّة التي أصيبت في قلوب أبنائها، وسينتج عنه كذلك عداوات وبغضاء بين المظلومين والظّالمين.
ومن ثمراتها كذلك أن يعلم المسلم أنّ الخلائق يوم القيامة تبحث عن فتيل تتعلّق به من هول ما تراه، ولكن المشهد على الظالم يكون أعتى وأكبر مما هو على غيره، والله -تعالى- أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية أن يقول له كن فيكون
معاني المفردات في آية وعنت الوجوه للحي القيوم
إن الوقوف على شرح مفردات الآيات القرآنية مفردةً مفردةً من شأنه أن يُكسبها مزيدًا من الوضوح، وشرح مفردات قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} سيكون فيما يأتي:
- عنت: العنو في اللغة يعني الذل، يقولون عنا فلانٌ يعنو عنوًّا إذا استكان وذلّ وخضع.
- القيوم: القيّوم من أسماء الله الحسنى، ولعلماء اللغة في ذلك أقوال منها أنّه مشتقّ من القيام بالأمور، وعلى ذلك يكون معنى القيّوم أنّه القائم بتدبير أمور الخلق في إنشائهم ورزقهم، وفي لغة من لغات العرب يقولون القيّام.
- خاب: والخيبة هي الخسران كما ذهب أهل اللغة، ومنه قوله تعالى في سورة إبراهيم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}؛ أي: خاب سعيه وخسر.
- ظلمًا: الظلم مصدر الفعل ظَلَمَ، وهو في الأصل وضع الشيء في غير موضعه والعدول عن الحق، والأصل في الظلم الجَور ومجاوزة الحد، ومن معانيه كذلك الشرك بالله، ومن ذلك قوله تعالى في القرآن الكريم في سورة الأنعام: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، والمعنى -كما ذهب إليه أهل التفسير وقال به عدد من الصحابة منهم حذيفة بن اليمّان وابن مسعود وسلمان الفارسي وابن عبّاس رضي الله عنهم- هو الشرك؛ فمعنى الآية يصبح الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة