معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن

تمتاز سورة النساء باشتمالها على الكثير من الأحكام التشريعية ومنها ما ينظم شؤون الدولة الخارجية وأخرى تُنظّم الشؤون الداخلية كالأمور التي تخصّ المجتمع والأسرة من ميراث وعلاقة المرأة بزوجها، حيث يقول الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، ويكثر البحث عن معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن وسبب نزولها.

معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن

معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن

اختلف أهل التأويل في بيان معنى آية واللاتي تخافون نشوزهن حيث قال البعض أنّ المعنى هو “واللاتي تعلمون نشوزهن” فالخوف في هذا الموضع هو بمعنى العلم كالظن الذي يأتي بمعنى العلم لتقارب معانيهما، فالظن بمعنى الشك والخوف مقرون بالرجاء، وقال آخرون أنّ الخوف في هذا الموضع ضد الرجاء.

وعلى ذلك فإن معنى الآية: “أنكم إذا رأيتم من نسائكم ما تخافون بسببه من نشوزهن عليكم مثل نظرهن إلى ما لا ينبغي لهنّ النظر إليه، وكثرة الدخول والخروج من البيت، وغير ذلك من الأمور التي تبثّ الريبة في نفوسكم من أمر نسائكم، فعليكم بالوعظ والهجران”.

وقال محمد بن كعب القرظي أنّ معنى “نشوزهن”، أي: استعلاء المرأة على زوجها وترفعّها عن فراشه معصيةً له، وترك طاعته فيما يجب عليها له، وأصل النشوز الارتفاع فالمكان المرتفع من الأرض يُقال له نشز ونشاز، ومعنى “فعظوهن”، أي: ذكروهنّ الله تعالى وخوفّوهن من وعيده على فعل المحرمات من معصية الزوج فيما وجبت طاعته فيه.

وفسّر السُدّي النشوز بالبغض، وعن عطاء قال أنّ النشوز هو حبّ المرأة لفراق زوجها والرجل كذلك، أمّا ابن زيد فقال أنّ النشوز هو العصيان ونحوه.

وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ المرأة الناشز هي التي تستخف بحق زوجها ولا تطيعه، كما فسّر مجاهد طريقة الوعظ حال النشوز فقال: إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها، فيقول لها: اتقي الله وارجعي إلى فراشك، فإن هي أطاعته فلا سبيل له عليها، وقد قال الحسن البصري كلامًا قريبًا من هذا وهو أنّ الوعظ يكون باللسان والأمر بتقوى الله وطاعته.

مثّل محمد بن كعب القرظي للنشوز والوعظ بأمثلة حيّة حيث قال: إذا رأى الرجل خفةً في صرّها في مدخلها ومخرجها، فيقول لها بلسانه: قد رأيت منك كذا وكذا فانتهي! فإن أعتبت -أي غيّرت من سلوكها وامتثلت لأمر زوجها- فلا سبيل له عليها، وإن أبت هجر مضجعها.

كما ذكر الإمام القرطبي في بيانه لمعنى آية: واللاتي تخافون نشوزهن، أنّ ابن عباس -رضي الله عنهما- قد قال بأنّ معنى تخافون، أي تعلمون وتتيقنون، وذكر أنّ البعض قالوا هو على بابه أي أنّ تخافون بمعنى الخوف المعروف.

إن كلمة اللاتي هي جمع التي، والنشوز هو العصيان، ومنه المكان المرتفع من الأرض، ويُقال “نشز الرجل” أي: كان قاعدًا ونهض قائمًا، وقد قال تعالى في خطابه للمؤمنين في سورة المجادلة: {وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا}، أي ارتفعوا وانهضوا للحرب أو أي أمر آخر من أمور الله تعالى.

وعليه فإنّ معنى الآية: النساء اللواتي تخافون عصيانهن وتعاليهن عمّا أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج، وقد قال أبو منصور اللغوي أنّ النشوز هو كراهية كل واحد من الأزواج لصاحبه، ويُقال للمرأة ناشز بدون هاء، والفعل نشزن وتنشز ونشصت وتنشص، والمراد المرأة سيئة العشرة، كما قال ابن فارس، أنّ المرأة الناشز هي التي تستصعب على زوجها، ونشوز الرجل على زوجته هو ضربه لها وجفوتها.

وقد تبيّن من خلال هذه الآية الكريمة ماذا يفعل الزوج الذي يرى من زوجته استعلاءً عليه ويتخوّف من نشوزها وتركها لطاعته بسبب بغضها له وإعراضها عنه؛ فمن رأى ذلك من زوجته فعليه أن يلجأ إلى وعظها وتذكيرها بالله تعالى، ويخوّفها من عقابه على معصية المرأة لزوجها، ويرغبّها بطاعته حيث يذكر لها ثواب طاعة الزوج عند الله تعالى.

إن لم ينفع الوعظ فالوسيلة الثانية هي الهجر في المضاجع، والمعنى ابتعاد الزوج عن فراش زوجته وعدم قربانه له وترك جماعها، فإن لم تُحسّن من حالها بعد الهجر فإنّ الزوج يُباح له حينها أن يضربها ضربًا غير مبرح.

اقرأ أيضا: معنى آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات

سبب نزول آية واللاتي تخافون نشوزهن

إنّ سبب نزول آية واللاتي تخافون نشوزهن، هو أنّ سعد بن الربيع اختصم مع زوجته حبيبة بنت زيد، وسعد من النقباء وكان هو وزوجته من الأنصار، وقد نشزت عنه فلطمها، فذهبت مع أبيها إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال أبوها: أفرشته كريمتي فلطمها.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لتقتصّ من زوجها”، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: “ارجهوا هذا جبريل”، وأنزل الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}، فقال رسول الله: “أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا والذي أراد الله خير” ورُفع القصاص.

كما جاء في تفسير الرازي أنّ هذه الحادثة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ}، وقد أمسك رسول الله حتّى نزلت آية سورة النساء، وذكر أيضًا قول الكلبي وهو أنّ اسم زوجة سعد بن الربيع هو عميرة بنت محمد بن مسلمة، وقول أبو رَوْق أنّ الآية نزلت في جميلة بنت أبيّ وزوجها ثابت بن قيس بن شمّاس، والله تعالى أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية الرجال قوامون على النساء

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version