معنى الآية خذوا زينتكم عند كل مسجد
سورة الأعراف هي سورة مكية ما عدا الآيات من 163 إلى 170 فمدنية، وهي من السور السبع الطوال فعدد آياتها 206 آية، ويوجد فيها أول سجدة في القرآن الكريم كما احتوت السورة خطابًا لبني آدم في أكثر من آية؛ ولذلك يتساءل الكثيرون عن معنى الآية خذوا زينتكم عند كل مسجد وتفسيرات العلماء لها.
معنى الآية خذوا زينتكم عند كل مسجد
قال الله -عزّ وجلّ- في سورة الأعراف: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، فهذه الآية تُبيّن أنّ الله تعالى خلق لعباده الطعام والشراب واللباس ليتنعموا بها وينتفعوا بلا إسراف أو مبالغة.
وفي بيان معنى الآية خذوا زينتكم عند كل مسجد يقول الإمام الطبري بأنّ الله تعالى يُخبر الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت الحرام ويُظهرون عوراتهم وهؤلاء كانوا من مشركي العرب، بأن يرتدوا ملابسهم ولا يطوفوا بهذه الهيئة.
وقد ذكر الطبري جملة من الآثار التي تُبيّن معنى هذه الآية، ومنها ما نقله عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النساء كنّ يطفن بالبيت الحرام وهنّ عاريات ولا ثياب عليهن إلّا خرقة يضعنها على فروجهن.
ونُقل عنه أيضًا بأنّ الرجال والنساء كانوا يطوفون وهم عُراة ولكنّ الرجال يطوفون في النهار والنساء في الليل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقد كانوا يطوفون وهم عراة فأمرهم سبحانه بأن يلبسوا ثيابهم، وقد فسّر الزينة في هذه الآية بالثياب واللباس الذي يُغطّي العورة وما سواها.
كما نُقل عن مجاهد قوله بأنّ هذه الآية نزلت في قريش لتركهم الثياب، والزينة هي كل ثوب يُغطي العورة ولو عباءة، وقال طاوس بن كيسان المقصود هو الشملة من الزينة أي ما يشمل جميع البدن.
أمّا ابن زيد فقد قال بأنّ زينتهم هي ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون، وقال عند تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، بأنّهم كانوا إذا طافوا بالبيت حُرّمت عليهم ثيابهم التي طافوا بها، فإذا أرادوا الطواف طلبوا ثيابًا من غيرهم، فإن لم يجدوا من يعيرهم ثوبًا طافوا وهم عُراة، فأنزل الله تعالى هذا الآيات.
وقد قال قتادة أنّه كان حيٌّ من أهل اليمن إذا جاء أحدهم إلى مكة ليؤدي الحج أو العمرة، يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوبٍ دَنِست فيه، أي ارتكب وهو يرتديه معصية وذنب، فيقول: من يُعيرني مئزرًا؟ فإن وجد من يعيره ارتداه وإن لم يجد فيطوف وهو عاري الجسد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
كما نُقل عن الضحاك بأنّه كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب يطوفون وهم عراة فأمرهم الله تعالى بأن يلبسوا ثيابهم وأنزل هذه الآية، وعن ابن شهاب الزهري قال بأنّ العرب كانت تطوف بالبيت عُراة، إلّا الحُمس وهم قبيلة قريش وأحلافهم، فمن جاء من العرب غير هؤلاء خلع ثيابه وطاف في ثياب أحد من الحُمس، لاعتقاده بحرمة ارتادئه لثيابه في الطواف، فإن لم يجد أحمسًا يعيره الثياب فإنّه يُلقي ثيابه ويطوف وهو عارٍ، وإذا طاف في ثيابه التي كانت عليه فإنّه يُحرّم هذه الثياب على نفسه ولا يعود لارتدائها، فأنزل الله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد.
كما ذكر البغوي في تفسيره بأنّ أهل التفسير قالوا بأنّ هذه الآية نزلت في بني عامر حيث إنّهم كانوا يطوفون بدون ثياب، ونقل قول الكلبي في الزينة بأنّها ما يواري العورة عند كل مسجد في طوافٍ أو صلاة.
وقد قال الشوكاني بأنّ هذا الخطاب موجّه لجميع بني آدم، وإن كان واردًا على سببٍ خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالزينة هي ما يتزّيّن بها الناس من اللباس، وقد أمروا بالتزيّن عند الحضور للمسجد سواءٌ كان ذلك الحضور بقصد الصلاة أو الطواف.
كما استدلّ بعض العلماء بهذه الآية على وجوب ستر العورة في الصلاة، كما ذكر ابن كثير أنّ الآية نزلت في زجر المشركين عن الطواف بالكعبة وهم عُراة ونقل ذلك عن السلف، ويؤخذ منها الحض على التجمّل والتزيّن عند الذهاب للصلاة في المسجد.
ومن الحوادث المشهورة في التاريخ الإسلامي التي حصلت بعد نزول هذه الآية أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أرسل أبا بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- ليحج بالمسلمين في العام التاسع للهجرة، وأمر أبو بكر أبا هريرة ومجموعة من الصحابة الكرام أن ينادوا بالناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، حيث كان الكفار بعد فتح مكة يأتون إلى البيت الحرام للحج والعمرة وكان بعضهم يطوف وهو عاري فمنعهم رسول الله من ذلك بعدما استقّر الأمر وساد المسلمون وأحكموا قبضتهم.
اقرأ أيضا: معنى آية سلام قولا من رب رحيم
معاني المفردات في آية خذوا زينتكم عند كل مسجد
ورد لفظ الزينة في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وبأكثر من اشتقاق وتصريف وإن كان أصل الكلمة واحد وهو ما يُتزيّن به إلّا أنّ معناها يختلف باختلاف السياق الذي جاءت فيه، وفيما يأتي بيانٌ لمعنى الزينة في آية: خذوا زينتكم عند كل مسجد، وذكرٌ لمعاني بقية مفردات هذه الآية:
- خذوا: فعل الأمر من الأخذ وهو التناول.
- زينتكم: الزينة ما يُتزّيّن به، ومعناها في هذه الآية أطهر الثياب وأحسنها.
- مسجد: بيت التعبّد والصلاة عند المسلمين.
اقرأ أيضا: معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان