إن آيات القرآن الكريم بمثابة المنهاج ودليل الخير للعباد، فالله تعالى لا يُرشد عباده إلا لما يُصلح أحوالهم، وقد حملت بعض آيات القرآن الكريم سبيل الأمان في الحياة، ومن أبرز هذه الآيات قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية ألا بذكر الله تطمئن القلوب والسر في هذا الارتباط الوثيق.
معنى آية ألا بذكر الله تطمئن القلوب
قال -تعالى- في سورة الرعد: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ومعنى آية ألا بذكر الله تطمئن القلوب أن الذين آمنوا بالله تطيب قلوبهم، وتهدأ عندما تقترب من الله تعالى، حيث تتنزل عليهم السكينة والطمأنينة بمجرد ذكرهم لله تعالى، وذلك لأنهم رضوا به مولىً ونصيرًا، وهو المستحق لذلك.
تكثر أقوال أهل التفسير في المقصود بذكر الله تعالى الوارد في الآية الكريمة، فقد قيل أن المُراد هو ذكر الله تعالى بالأفواه، بينما قيل ذكر نعمة الله عليهم أو وعده وثوابه الذي أعده لهم، كما قيل أيضًا في تفسيرها أن المقصود بذكر الله أي تلاوة القرآن الكريم.
يقول الإمام الضحاك في تفسير هذه الآية الكريمة إن المؤمنين هم الذين تصدق قلوبهم بذكر الله تعالى والقرآن الكريم، بينما فسّر سفيان بن عيينة هذه الآية بأن المقصود بذكر الله أي أمره وقضائه، أما قتادة فقد قال هم الذين آمنوا وآنست قلوبهم لذكر ربهم وركنوا إليه، بينما فسّر بعض المفسرين الآية بأن مُرادها قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليهم.
جاء في تفسير السُدي أن الذكر هنا المُراد به الحلف أي إذا حلف خصمه بالله أمامه، فإن قلبه بسكن ويطمئن لذلك، بينما قال بعض العلماء في تفسيرها أن ذكر الله هو ذكر رحمته أو الدلائل التي تدل على وحدانيته، وتؤكد على وجوب طاعته.
اقرأ أيضا: آيات عن الذكر
العلاقة بين الطمأنينة وذكر الله
عندما ننظر إلى قوله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فإننا سنجد أمامنا تقدم الجار والمجرور “بذكر الله” على الفعل “تطمئن” وهذا التقديم يُفيد الاختصاص، أي أن القلوب لا تطمئن ولا تأنس لشيء سوى لذكر ربها سبحانه وتعالى، وقد جاءت القلوب معرفة بأل التعريف؛ للاستغراق والعموم، أي أن جميع القلوب لا تطمئن إلا بذكر الله، أما إذا خلا القلب من ذكر ربه، أصابه الفزع والقلق.
يُفسّر لنا ذلك أن هناك بعض القلوب في حياتنا تطمئن وترتاح لتحقيق بعض النجاحات في الدنيا مثل اكتساب المال، أو ارتقاء المناصب الرفيعة، وغيرها من الأمور التي تميل إليها النفوس، ولكن هذه الطمأنينة ليست طمأنينة دائمة ومهما بلغ الإنسان، فلن ينعم بلذة الطمأنينة التي ينعم بها الذاكرون للله تعالى، فهي طمأنينة راسخة، لا تتأثر بمتغيرات من حولها؛ لذلك فهي أقرب إلى الراحة التامة التي لا تزول مهما تغير الزمان أو المكان.
اقرأ أيضا: أحاديث عن فضل الذكر
سبب ارتباط الطمأنينة بذكر الله
قال أهل اللغة عن السر في مجئ الفعل “تطمئن” بصيغة المضارعة أنها تُفيد الاستمرارية وتجدد الحدث، أي أن هؤلاء المؤمنين تأنس قلوبهم وتسكن بذكر الله تعالى كلما ذُكر سواء على ألسنتهم تسبيحًا وتحميدًا وتكبيرًا وتوحيدًا، أو قرأوا كتاب الله وتدبروا آياته، أو بسماع الآيات من الغير، فهذه عصمة لهم عن الاضطراب، وفي ذلك من الدلالة على تجدد الطمأنينة واستقرارها في النفوس ما داموا ملازمين لذكر ربهم.
وتعظم فضائل ذكر الله تعالى، ومن أبرز هذه الفضائل أن ذكر الله سبب لذكر الله تعالى لعبده، وفي القرآن ما يدل على ذلك حيث يقول الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)، ولا يخفى أيضًا أن ذكر الله كان سببًا لنجاة نبي الله يونس عليه السلام وكشف الكرب عنه عندما كان في بطن الحوت.
من فضائل ذكر الله تعالى أنه سبب في طمأنينة القلب، وتُعرف الطمأنينة بأنها سكون اقللب، وذهاب أسباب الاضطراب والقلق عنه، وعندما يذكر الإنسان الله تعالى، فإن القلق يزول عنها تمامًا، بل تعرف الأفراح قلبه الذاكر، وتستقر فيه؛ ولهذا يجدر بالقلب المؤمن ألا يسكن لشيء سوى لذكر ربه؛ لأنه ما من شيء أشهى، ولا ألذ، ولا أعظم من معرفة الله تعالى ومحبته والأنس به.
يجعل ذكر الله قلوب عباده مطمئنين، راضين، وآمنين؛ فمتى امتلئ القلب بذكر الله، سكنت الروح إليه، فلا تبالي بما يعتريه من أمور الدنيا مهما بلغت المصائب وكثرت البلايا، فدواعي الفزع، والقلق، والاضطراب التي تنشأ من فوات المحبوب، والخوف من الكروب، سرعان ما تزول بعمران القلب بذكر الرب.
وعلى النقيض، يُخيم القلق والفزع على قلب ما لم يكن ذاكرًا لله تعالى، ومستحضرًا لجلاله وعظمته سبحانه وتعالى، ومدركًا لعظيم أمره، وجلالة قوته، وما من أحد تذكر ذلك، وأنس بالله تعالى إلا هان عليه ما يخاف؛ لأنه بذكر الله تعالى يأوى إلى جوار ربه اللطيف.
اقرأ أيضا: تجربتي في ذكر الله