سورة العلق هي أول ما نزل به الوحي من الله تعالى على نبيه الصادق الأمين، وقد كان الأمر من الله تعالى في بداية الدعوة الإسلامية بالقراءة، وختم السورة المباركة بالسجود، والاقتراب من الله تعالى، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معاني آيات سورة العلق وبخاصة معنى آية سندع الزبانية الواردة في السورة.
معنى آية سندع الزبانية
ذهب أهل التفسير إلى أن قوله تعالى في سورة العلق: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قد نزل في أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي، حيث كان أبو جهل ينهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أداء الصلاة، وذات مرة، رأى أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي، فقال له: ألم أنهك عن هذا؟، فعندها زجره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا التصرف لم يُعجب أبا جهل، ورد على النبي بقوله: “وَاللهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرَ مِنِّي”، يريد بذلك أن يُحذر النبي، ويذكره بأنه صاحب أكبر نادٍ في قريش، بل في مكة كلها؛ فأنزل الله تعالى هذه الآيات ردًا على أبي جهل.
معنى آية سندع الزبانية أي الله تعالى يدعو أبا جهل لدعوة ناديه أو أهله، أو من يناصرونه من قومه، والمُراد بالنادي أي المجلس، وكان ذلك بعدما أغلظ له النبي صلى الله عليه وسلم ردًا على محاولات أبي جهل لمنعه من أداء الصلاة.
قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم:”علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي نادياً؟ “، فكان رد الله تعالى عليه بأن اردعُ يا أبا جهل ناديك إذا أردت، وسندع نحن الزبانية، وقد قيل في ذلك، لو تجرأ أبو جهل، ودعا ناديه حقًا؛ لأخذته زبانية العذاب في الحال، والزبانية هم خزنة النار، فأمر الله تعالى رسوله بعدم طاعة أبي جهل، والاستمرار في أداء الصلاة، والتقرب من رب العزة، فمهما كثر ناد أبي جهل، وزادت قوته؛ لن يستطيع أن يُلحق الأذى بالنبي، لأن الله تعالى مانعه من ذلك.
يقول الإمام جلال الدين السيوطي أن أبا جهل قال إنّه إن رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- يصلّي ليطأنّ رقبته حاشا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزلَ الله -سبحانه- قوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ} إلى قوله: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}، وفي قول عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ أبا جهل لو همّ بأن يؤذي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأخذته زبانية الله سبحانه وتعالى، والله أعلم. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم: 3349 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب صحيح ))
اقرأ أيضا: ما الهدف من دعوة غير المسلمين إلى الإسلام
البلاغة في آية فليدع ناديه
القرآن الكريم هو كلام الله المعجز في شتى المناحي، سواء من الناحية العلمية أو البلاغية والبيانية، ومن علوم البلاغة ما يُعرف بالمجاز المرسل، وهو ما تكون العلاقة فيه لغير المشابهة؛ لأن علاقة المشابهة خاصة بالاستعارات، بينما علاقات المجاز المرسل متعددة، ومنها ما يُسمى بالعلاقة المحلية.
يُراد بالمحلية ذكر لفظ المحل، بينما يكون المقصود هو الحال منه، وهو ما يظهر جليًا في قوله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ)، فقد خرج إلى السخرية من أبي جهل وافتخاره بناديه، والإيجار في أن النادي يكون موضع الاجتماع، ولكن المقصود الأهل والعشيرة الذين يجتمعون في هذا الموضع، والتعميم هو فائدة المجاز عنا؛ لأن النادي يشتمل على الأهل والعشيرة، حيث يختار الإنسان في ناديه من يخلصون له، ويدافعون عنه.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة العلق
من هم الزبانية
يُقصد بالزبانية خزنة جهنم المستحفظين عليها كما جاء في القرآن الكريم، وقد قال الكسائي: واحد الزبانية يُسمى زبني، وقال الأخفش: الواحد منهم زابن، أما أبو عبيدة فقد قال: مفرد الزبانية زبنية، وقيل زباني، وهذا الاسم إنما هو للجمع مثل الأبابيل.
قال قتادة: الزبانية هم أهل الشرطة عند العرب، والاسم مشتق من زبن، أي دفع، ومنها المزابنة في البيع، وقد سُموا بالزبانية؛ لأنهم يعملون بأيديهم وأرجلهم على سواء.
كُلف الزبانية بمهمة خزانة جهنم والقيام على أمورها، وقد دل على ذلك العديد من آيات القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
تدل هذه الآية الكريمة على تقريع وتوبيخ الزبانية لأهل النار بعدما يدخلونها، وذلك بسبب ما ارتكبوا من أفعال أدت بهم إلى هذا المصير التعس، والخزنة أو الزبانية هم صنف من الملائكة على هيئة عظيمة من الخلق، ويمتازون بالبأس الشديد، وعدم مخالفة أمر الله تعالى؛ فهم موكلون بتفيذ كل ما يُطلب منهم، وفيهم يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
اقرأ أيضا: تفسير سورة العلق للأطفال