تجربتي مع سورة التين من التجارب القادرة على صنع العجائب، حيث أن في خلق التين والزيتون من الغرائب ما يدل على ذلك، وكذا فيما أشير إليه بذلك من النبوات، وضم القسم إلى المقسم عليه وهو الإنسان، الذي هو أعجب ما في الأكوان.
تجربتي مع سورة التين
تقول إحدى الفتيات: تجربتي مع سورة التين للزواج هي أنني كلما ضاقت عليها سبل الحياة هرعت لكتاب الله العظيم أقرأ فيه وأتدبر آياته، تحكي الفتاة هذه القصة وتقول بأن الجميع كانوا يتنمرون عليها لتأخرها في الزواج، ولكنها كانت صامدة تخفي دموعها وضعفها عن الجميع، بل كلامهم لا يزيدها إلا قوة أمامهم، ومن خلفهم كانت تهرع لكتاب الله والصلاة فقد كانت تجد فيهما ملاذها الوحيد من دنيا عبأتها القلوب السوداء.
كانت تجد راحة كبيرة في سورة التين وخاصةً آخر آيتين “فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” وكان هذه الآيات تحدثها وتقول لها ألا تثقي في خيار الله لكِ، لا تتعجلي، وانتظري عجائبه، فكانت تكثر من قراءتها والصلاة بها، لما وجدته فيها من راحة شعرت بها بكامل حواسها.
طيب الله بخاطرها بعد مدة ليست بطويلة، فآتاها الخير من حيث لا تحتسب، ورزقها بزوج صالح، وأهل طيبين كأهلها، عوملت الفتاة من قبل الجميع أحسن معاملة، كانت دائما تقول: “ثمرة الصبر طيبة”، وأعطاها الله من فضله وأتم عليها نعمه ظاهرة وباطنة فرزقها ذرية صالحة، وكانت الفتاة ما إن علمت بحملها كأن الدنيا حيزت لها بما عليها بفضل الله تعالى وبركة سورة التين.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة البروج
أسرار سورة التين
تعظم أسرار سورة التين وفضائلها فقد رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “لَمَّا نزَلَتْ سورةُ التِّينِ على رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَرِحَ لها فَرَحًا شَديدًا؛ حتَّى بانَ لنا شِدَّةُ فَرَحِه، فسأَلْنا ابنَ عبَّاسٍ بعدَ ذلك عن تفسيرِها، فقال: أمَّا قولُ اللهِ تعالى {وَالتِّينِ} فبلادُ الشَّامِ، {وَالزَّيْتُونِ} فبلادُ فِلَسْطين، {وَطُورِ سِينِينَ} فطورُ سَيْنَا الَّذي كلَّمَ اللهُ عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} فبَلْدةُ مكَّةَ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} عُبَّادُ الأَصْنامِ اللَّاتِ والعُزَّى، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أبو بَكرٍ وعُمَرُ، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} عليُّ بنُ أبي طالبِ عليهمُ السَّلامُ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ؛ إذ بعَثَكَ فيهم نَبِيًّا وجمَعَكَ على تَقْوَى يا محمَّدُ”. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الشوكاني | المصدر : فتح القدير، الصفحة أو الرقم: 5/671 | خلاصة حكم المحدث : في إسناده مجهول ))
رُوي عن عبد الله بنِ عبَّاسٍ قال أنه: من قرأ القرآنَ لم يُردَّ إلى أرذلِ العُمرِ لكيلا يعلم من بعدِ علمٍ شيئًا ، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } قال : الَّذين قرؤُوا القرآنَ. (( الراوي : [عكرمة مولى ابن عباس] | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/303 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
ويُستحب قراءة سورة التين في صلاة العشاء حيث ثبت عن الصحابي الجليل البراء بن عازب: “خرجنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، في سفرٍ فصَّلى بنا العشاءَ الآخرةَ ، فقرأ في إحدى الركعتينِ ب {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}”. (( الراوي : البراء بن عازب | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 1838 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه )) كما قال أيضا: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ: والتِّينِ والزَّيْتُونِ في العِشاءِ، وما سَمِعْتُ أحَدًا أحْسَنَ صَوْتًا منه أوْ قِراءَةً. (( الراوي : البراء بن عازب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 769 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
من أسرار سورة التين التي نكشفها لتسهيل فهمها وحفظها أنها جاءت لتخبرنا أن الإنسان قد شُرّف بهذه الطبيعة وهذه الهيئة المميزة ليكون قادراً على الوصول إلى أعلى المستويات وإحراز أعلى المراتب والتي لم يصلها غيره من مخلوقات الله، فأقسم سبحانه على ذلك بثلاثة أماكن خصّها تعالى بإنزال رسله وأنبيائه. وأن الإنسان افترق إلى فريقين مميزين واضحين، مؤمنون يعملون الصالحات ومكذبون. وأن وجود الآخرة جعل لضرورة الثواب والعقاب على الأعمال، كما يلي:
في الآيات الست الأولى: القسم بالتين والزيتون وجبل طور سيناء والبلد الأمين مكة، الأماكن التي خصها الله تعالى بإِنزال الوحي، على أن الله تعالى كرَّم الإِنسان، فخلقه في أحسن صورة، وعلى دين الفطرة يعمل الصالحات، فإن كذب بالدين وكفر بنعمة ربه فسيرد إِلى الضلال.
في الآية السابعة والثامنة: تهديد ووعيد لمن يكذِّب بدين الله الإسلام وبالبعث والجزاء مع وضوح الأدلة على حكمة الله وعدله في خلق الإنسان في أحسن تقويم، وتكريم المؤمنين، والانتصاف من المكذبين، في الدنيا والآخرة.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة التين