في الدين الإسلاميّ مراتب يُقصد بها الدرجات التي يصل إليها مُعتنق الإسلام أو المُسلِم، ولا نقصد بهذهِ المراتب أو الدرجات أنّها تقسيماتٌ طبقيّة أو أنّها رتبٌ يتميّز بها المُسلمونَ عن بعضهِم البعض، بل هيَ خُلاصة أعمال العبد ومدى تقرّبهِ إلى مولاهُ عزّ وجلّ، ومن الأسئلة الشائعة بين المسلمين هل مراتب الدين كلها بمنزلة واحدة أم لا؟
مراتب الدين كلها بمنزلة واحدة
تُعد عبارة مراتب الدين كلها بمنزلة واحدة من العبارات الخاطئة؛ لأنّ كل مرتبة من مراتب الدين لها منزلتها عند الله تعالى، وتتمثل مراتب الدين في الإسلام والإيمان والإحسان.
تجدر الإشارة إلى أنّ كُلّ مرتبةٍ من مراتب الدين تدلّ على معاني خاصّةٍ، ومختلفةٍ عن غيرها؛ فالإسلام يُعنى بظاهر الأمور، والإيمان يختصّ بغيبيات الأمور، أمّا الإحسان؛ فيدخل به الإسلام والإيمان، وهو الأعلى منزلةً، فانفراد الإسلام يدخل فيه الإيمان، وانفراد الإيمان يدخل فيه الإسلام، وانفراد الإحسان يدخل فيه الإسلام والإيمان.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الثبات على الدين
مراتب الدين
الإسلام
الإسلام هو: الخضوع لله -تعالى-، والاستسلام والانقياد له، تدلّ على ذلك الأعمال التي يؤدّيها العبد ظاهراً، لذلك، فالإسلام يختصّ بجوارح العبد، وما يظهر عليها من أعمالٍ، وأساسه خمسة أركانٍ ودعاماتٍ؛ تبدأ بشهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، ثمّ الصلاة، فالزّكاة، فالصوم، فالحجّ لبيت الله.
وقد دلّت الكثير من النصوص على أنّ المُراد بالإسلام الخضوع، والانقياد لله وحده، والأعمال الظاهرة الدالّة على التصديق التامّ، ومنها:
- قَوْله -تعالى-: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
- قَوْله -تعالى-: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
اقرأ أيضا: معلومات للاطفال عن الإسلام
الإيمان
الإيمان هو: التصديق والاعتقاد المُطلق بكلّ ما أمر الله -تعالى- به عباده، مع إذعان القلب والجوارح له -جلّ وعلا-، فهوَ المرتبة التي يكون بها التصديق الجازم واليقين الراسخ الذي لا يتزعزع، لذلك يُعدّ مرتبةً أعلى من الإسلام، فقد يكون المرء مُسلماً ولكن لم يتمكّن الإيمان من قلبه بعد؛ وذلك لعلوّ مرتبة الإيمان بأركانهِ الستّة وهي الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورُسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.
قرن الله -تعالى- في كثيرٍ كم آيات القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، منها: قَوْله -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ).
اقرأ أيضا: حكم من تاب من الشرك
الإحسان
تُعتبر هذهِ المرتبة هيَ أعلى المراتب ولا يصل إليها العبد إلا حينَ يُخلص قلبهُ لله تعالى ويُكثر من طاعته وتتحقّق لديهِ التقوى، والمقصود بالإحسان أن تعبد الله كأنّكَ تراه، فإن لم تكُن تراه فإنّهُ يراك، ويكون الإحسان على رتبتَين؛ هما:
- عبادة العبد الله -تعالى- كأنّما يراه، وذلك بجَعْل الله -تعالى- حاضراً في القلب، والحرص على أداء العبادات والطاعات على أكمل وجهٍ؛ رغبةً وحُبّاً لملاقاة الله -عزّ وجلّ-، بعملٍ يملؤه التُقى، والورع، والخلوّ من الرِّياء، والنفاق، والعجب.
- عبادة الله -تعالى- بالإقرار برؤيته -عزّ وجلّ- لعباده، فيؤدّي العبد العبادات خوفاً، ورهبةً، وخشيةً من الله -تعالى-، فيحرص العبد على الإتقان والإخلاص في عمله.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الاحسان
آية قرآنية جمعت مراتب الدين
الآية القرآنية التي جمعت مراتب الدّين هي الآية التي وردت في قوله تعالى من سورة الحجرات: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لِذا فمراتب الدين ثلاثُ مراتب؛ فمن وصلَ إلى مرتبة الإحسان فقد آمنَ وأسلم، ومن آمن فقد أسلم، فكُلّ مؤمن مُسلم وليسَ كُلّ مُسلمٍ مؤمن، وهذهِ المراتب الثلاثة بيّنها حديث عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنّ جبريل -عليه السلام- أتى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على هيئة بشرٍ، وقال له:
(يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ). (( الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 8 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
اقرأ أيضا: شرح حديث جبريل عليه السلام يبين مراتب الدين الثلاث