يدلّ لفظ الإحرام في اللغة على عِدّة معانٍ تختلف باختلاف صورها، إلّا أنّ المعنى الجامع لها من الجذر (حَرَمَ)؛ أي مَنَعَ منعاً شديداً، والإحرام في صورة الحجّ أو العُمرة هو: أن يدخل المسلم المُحرِم في حُرُماتٍ ينبغي عليه ألّا يهتكها، وهذه الحُرُمات هي الأعمال التي تَحرُم عليه؛ فلا يجترئ عليها وهو حاجٌّ، أو مُعتمِرٌ، وهناك العديد من الأسئلة التي يسأل عنها الناس حول الإحرام مثل الحالة التي يجوز فيها تجاوز الميقات من غير إحرام لمن ؟
الحالة التي يجوز فيها تجاوز الميقات من غير إحرام لمن
اتّفق العلماء على أنّ مَن جاوز الميقات دون إحرامٍ وهو قاصدٌ لنُسك الحجّ أو العُمرة وجبَ عليه الرجوع إلى الميقات، والإحرام منه، وهو يأثم إن أحرم ولم يرجع إلى الميقات دون وجود عُذرٍ، و الحالة التي يجوز فيها تجاوز الميقات من غير إحرام لمن كان له عذر وأفدى فلا تلزمه العودة إلى الميقات حينها.
اختلف العلماء في مَن تجاوز الميقات وأحرم بعده، ثمّ رجع إليه مُحرِماً؛ بلزوم الفِدية عليه، أم لا، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:
القول الأوّل: لزوم الفِدية عليه، وهو قول الإمام مالك، وزُفَر من الحنفيّة، وأكثر الحنابلة؛ واستدلّوا على ذلك بما ورد عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ، ومَن كانَ دُونَ ذلكَ، فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِن مَكَّةَ) (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1845 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) فالفِدية تجب عليه بمُجاوزته الميقات دون إحرامٍ، ولا تسقط الفِدية بعودته إليه.
القول الثاني: إن رجع إلى الميقات مُلبِّياً لم تلزمه الفِدية، وإن رجع دون أن يُلبّي لزمته، وهو قول الإمام أبي حنيفة؛ واحتجّ بقوله على أنّ المتروك بمُجاوزة الميقات هي التلبية؛ فبالتلبية يكون قد أدرك ما فاته.
القول الثالث: إن رجع قبل أداء عملٍ من أعمال الحجّ أو العُمرة؛ سواء كان رُكناً، كالوقوف بعرفة، أو سُنّةً، كطواف القدوم، سقطت عنه الفِدية، وإلّا لزمته، وهو قول جمهور الشافعيّة؛ واحتجّوا بلزوم الفِدية عليه بعد تلبُّسه بنُسُكٍ؛ لأنّه عاد بعد انتهاء وقت الإحرام.
القول الرابع: عدم لزوم الفِدية عليه؛ سواء لبّى، أم لم يُلَبِّ، وهو قول الإمامَين: أبي يوسف القاضي، ومحمّد بن حسن الشيبانيّ من الحنفيّة؛ واحتجّا على ذلك بأنّ حَقّ الميقات في مُجاوزته أن يكون مُحرِماً، وليس إنشاء الإحرام منه.
اقرأ أيضا: حكم الاضطباع في العمرة للرجل
الإحرام من الميقات
اختلف الفقهاء الأربعة في التعريف الشرعي للإحرام، وبيان اختلافهم كالآتي:
- جمهور الفقهاء: عرَّفَ المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة الإحرام بأنّه: نيّة الدخول في حُرُمات الحجّ أو العُمرة دون اشتراط قولٍ، أو فِعلٍ مُعيّنٍ، إلّا أنّ المالكيّة قالوا بِلُزوم الفِدية على المُحرِم إن ترك التلبية، أو ترك التجرُّد من المَخيط حين النيّة.
- الحنفيّة: عرَّف الحنفيّة الإحرام بأنّه: التزام حرُماتٍ مخصوصةٍ، ويتحقّق بأمرَيْن: النيّة، والذِّكر.
يُعرَّف الميقات بأنّه: مكان إحرام الحاجّ أو المُعتمر؛ للدخول في العبادة، وهناك فروقٌ بين الإحرام، والإحرام من الميقات، حيث يُعَدّ الإحرام رُكناً من أركان الحجّ والعُمرة، بينما يُعَدُّ الإحرام من الميقات واجباً من واجباتهما، كما يُفسِد ترْك الإحرام الحجّ والعُمرة، بينما لا يُفسدهما تجاوُز الميقات دون إحرامٍ؛ فإمّا أن يعود إلى الميقات ويُحرِم، أو أن يُحرِم بعد الميقات دون أن يعود، إلّا أنّه تلزمه فِديةٌ حينئذٍ.
اقرأ أيضا: أخطاء شائعة في الحج
كيفية الإحرام من الميقات
يُستحَبّ للحاجّ أو المعتمر أن يُحرِم على الصفة التي أحرم بها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وتتلخّص في ثلاث نقاطٍ، وهي:
- يُستحَبّ للرجل عند إحرامه للحجّ أو للعُمرة أن يغتسل، ويتنظّف، ويُعطّر بَدنه، ولا يُعطّر ثوبه، وأن يكتسيَ بإزارٍ ورداءٍ أبيضَين نظيفَين، وأن يتجرّد تماماً من المَخيط، ثمّ يرتدي نعلَيْه، أمّا للمرأة فإنّه يُستحَبّ لها الاغتسال إن أرادت الإحرام، حتى وإن كانت على حيضٍ أو نفاسٍ، ثمّ ترتدي ما شاءت من الملابس الساترة مُتجنِّبةً لباس الشُّهرة واللباس الضيّق، وتحذرَ من التشبُّه بلباس غير المسلمين، ولا ترتدي النِّقاب، ولا القفّازات.
- يُستحَبّ للمُحرِم أن يُحرِم بعد الصلاة المفروضة، وليست للإحرام صلاةٌ خاصّةٌ به، فلا حرج عليه أن يُحرِم بعد ركعتَي سُنّة الوضوء، أو ركعتَي تحيّة المسجد، أو بعد صلاة الضحى، وعليه أن يستحضر النيّة في قلبه للدخول في النُّسك؛ سواء كان حجّاً، أو عمرةً، ويُستحَبّ إحرامه وإهلاله بعد الصلاة في المسجد.
- يُستحَبّ للمحرِم أن يذكُر نُسكه؛ فيقول إن كان مُعتمراً: ” لبّيك عمرةً”، ويقول إن كان مُنفرداً: ” لبّيك حجّاً”، ويقول إن كان قَارناً: ” لبّيك عمرةً وحجّاً”، وإن كان مُتمتّعاً يقول: ” لبّيك عمرةً”، ويدعو الحاجّ قائلاً: ” اللهمّ هذه حجّةً لا رياء فيها ولا سُمعةً”.
اقرأ أيضا: هل يشترط الوضوء للاحرام