تقع سورة الماغون في الجزء الثلاثين والحزب الستين، وتندرج ضمن سور المُفصّل، كما أنها من السور التي لم يُذكر فيها لفظ الجلالة وقد نزلت سورة الماعون بعد سورة التكاثر بمكة المكرمة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وتعظم مقاصد سورة الماعون لأنها تتحدث عن فريقين، الفريق الأول هم الكافرون المكذبون بيوم الدين، والفريق الثاني هم المنافقون الذين إن صلّوا لم يرجوا ثوابًا وإن تركوا الصلاة لم يخشوا عقابًا.
مقاصد سورة الماعون
تتمثل مقاصد سورة الماعون الإجمالية في إنذار وتهديد شديد بالهلاك للمصلين الذين يكذّبون بالآخرة والحساب ويقسون على اليتيم ويحرمون المسكين من الطعام ويراؤون في صلاتهم وأعمالهم ويمنعون ماعونهم عن ذوي الحاجة إليه. فهذه أفعال وصفات المنافقين والمرائين، وليست صفات المصلين الفائزين المفلحين.
مقاصد سورة الماعون التفصيلية كثيرة واسعة شاملة، فهي سورة من سور الكتاب المعجز التي على قصرها وقلة كلماتها حملتْ مجموعة من الأحكام والأوامر حيث يقول الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، ففي الآية الأولى أسلوب استفهام واضح وخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أي: هل رأيت يا محمَّد الذي يكذّب بثواب الله وعقابه, فلا يطيعه في أمرهِ ونهيهِ، وهذا المعنى -معنى تكذيب المشركين للدين- ورد في سورة الواقعة في قوله تعالى: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
يظهر أحد مقاصد السور الرئيسية في الآية الثانية حيث تشير الآية إلى من يقهر اليتيم ويظلمه ويأكل رزقَهُ ومالهُ، ومن المعروف إنَّ اليتيم هو من مات عنه أبوه قبل أن يصلَ سنَّ البلوغ سواء كان ذكرًا أو أنثى، فالذي يكذِّبُ بالدين هو الذي يظلم اليتيم ويدفعه عن حقه.
تتضمن الآية الثالثة إشارة أخرى إلى المكذب بالدين الذي يحرم اليتيم من حقه والذي ولشدة بخله لا يساهم في إطعام المساكين ولا يحثُّ الناس على إطعامهم أيضًا، وهذا المعنى جاء في سورة الفجر في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين}.
في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، فالويل هو العذاب وقيل أيضًا هو اسم وادٍ من أودية جهنَّم، وهاتان الآيتان مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا، فالويل والعذاب ليس للمصلّين فقط، بل للمصلين الذين يسهون عن صلاتهم، لذلك يجب أن تُقرأ الآيتان معًا حتَّى يتم المعنى، والسهو في الصلاة هو تأخيرها وعدم صلاتها في وقتها، وفي حديث إسناده حسن، قال مصعب بن سعد: “قُلتُ لأبي: يا أبَتاهُ أرأيتُ قولَهُ تبارك وتَعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أيُّنا لا يَسهو وأيُّنا لا يُحدِّثُ نَفسَهُ؟ قالَ: لَيسَ ذاكَ؛ إنَّما هوَ إضاعةُ الوَقتِ، يَلهو حتَّى يَضيعَ الوقتُ”.
يُمكن تعريف “الساهون” بأنهم الذين يتركون الصَّلاة فلا يصلُّونها، أمَّا قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، فيقصد الله تعالى المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والشرك، والرياء من النفاق، أمَّا الماعون فهو المنفعة من كلِّ شيء، ومنع الماعون أي منع الناس مما لديهم من المنفعة مهما صغرتْ هذه المنفعة.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة عبس
لطائف سورة الماعون
تضمنت سورة الماعون مجموعة من اللطائف التي من شأنها أن تنظم حياة الإنسان وسلوكه وتصرفاته، وهذه اللطائف هي:
- الحث على ضرورة الإحسان إلى اليتيم وإطعام المسكين وصون حقه ورزقه، جاء عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى”. (( الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 1475 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
- توحيه المسلمين إلى وجوب أداء الصلاة بوقتها الصحيح وعدم تأخير والسَّهو عنها.
- الدعوة إلى ضرورة الإحسان إلى الناس وفعل الخيرات، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هناك ترابط بين سورة الماعون وبين سورة قريش التي تسبقها، لذلك لما ذكر تعالى في سورة قريش: {الذي أطعمَهُم مِن جوعٍ} ذكر هنا ذم من لم يُحض على طعام المسكين ولما قال هناك: {فليعبدوا رب هذا البيت} ذكر هنا من سها عن صلاته.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الماعون