تُعد سورة عبس من السور المكية بلا خلاف، وتتضمن اثنتان وأربعين آية، وتسمى أيضا بسورة الصاخة، وسورة السفرة، وسورة الأعمى، وسماها ابن العربي في كتابه سورة ابن أم مكتوم، وتُعتبر أول سورة من أواسط المفصل، ونزلت بين سورة النجم والقدر، ويقع ترتيبها في المصحف الرابعة والعشرون، وتتمحور مقاصد سورة عبس حول أصول العقيدة الإسلامية، كما تتناول دلائل القدرة والوحدانية في خلق الإنسان والنبات والطعام، وفيها الحديث عن القيامة وأهوالها.
مقاصد سورة عبس
تتمثل مقاصد سورة عبس الإجمالية في التأكيد على أن المراد الأعظم هو تزكية القابل للخشية بالتخويف بالقيامة التي قام الدليل على القدرة عليها بابتداء خلق الإنسان، وبكل من الابتداء والإعادة لطعامه والتعجيب ممن أعرض مع قيام الدليل، والإشارة إلى أن الاستغناء والترف أمارة الإعراض وعدم القابلية والتهيؤ للكفر والفجور، وإلى أن المصائب أمارة للطهارة والإقبال واستكانة القلوب وسمو النفوس لشريف الأعمال، فكل من كان فيها أرسخ كان قلبه أرق وألطف فكان أخشى، فكان الإقبال عليه أحب وأولى، واسمها {عبس} هو الدال على ذلك بتأمل آياته وتدبر فواصله وغاياته.
جاءت مقاصد سورة عبس التفصيلية على النحو التالي:
- عتاب الله تعالى لحبيبه المصطفى وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، لتذكيره بالمساواة بين المسلمين في الدعوة إليه، ولا فرق بين أجناسهم وألوانهم ومكانتهم فكلهم سواء في الإسلام.
- اللطف مع الآخرين وإن كانوا يستحقون الزجر وأسلوب التأديب، فلا يجوز مقابلة ذلك بالجفاء.
- عمى البصر ليس العمى الحقيقي وإنّما يكون العمى الحقيقي هو عمى البصيرة، وهو النور الذي يمنحه الله تعالى للمؤمن في قلبه فيميّز الحق من الباطل.
- الاهتمام بمن اهتدى والحرص عليه وذلك بتعليمه، وعدم الانشغال مع الذين لا يرغبون دعوة الله تعالى.
- آيات الله تعالى فيها العظة والعبرة للإنسان، فهي سهلة واضحة الفهم لإدراك العقل وبذلك عليه أن يختار طريق الحق فيرحمه الله ويدخله جنانه، أو يختار طريق الضلال فيلعنه الله ويدخله النار، وقد اشتملت السورة على عرض نعم الله على الإنسان كالأشجار والغابات وأنواع الفواكه المختلفة كالزيتون والنخل، بالإضافة إلى إعطائه القوة وإخراج الماء، وهذا ما يحتاجه الإنسان في حياته وينتفع به، فنعم الله عليه لا تُعدّ ولا تُحصى.
- استعراض أهوال يوم القيامة، وفيها يخاف الإنسان ويفزع من أهوالها ويخاف لقاءه لهذا اليوم، ينقسم الناس يوم القيامة إلى فريقين: المؤمنون السعداء الذين تكون وجوههم مشرقةً ونيّرةً من طيب أعمالهم الصالحة، فيجازيهم الله تعالى الجنة حيث النعيم الأبدي، أما الفريق الآخر فهم الكافرون الأشقياء وتكون وجوههم مسودةً يوم القيامة لسوء ما بشّروا به يوم القيامة بسبب كفرهم وعصيانهم في الدنيا فجزاؤهم نار جهنم خالدين فيها.
اقرأ أيضا: تفسير سورة عبس للأطفال
لطائف سورة عبس
تتناسب سورة عبس مع سورة النازعات التي جاءت قبلها في ترتيب المصحف الشريف، فلما قال سبحانه {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى (26)}، وقال بعد {إنما أنت منذر من يخشاها (45)}، افتتحت هذه السورة الأخرى بمثال يكشف عن المقصود من حال أهل التذكر والخشية وجميل الاعتناء الرباني بهم وأنهم وإن كانوا في دنياهم ذوي خمول لا يؤبه لهم فهم عنده سبحانه في عداد من اختاره لعبادته وأهله لطاعته وإجابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلى منزلته لديه، ومنهم ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي بسببه نزلت السورة.
تشتمل سورة عبس على بعض اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه}، بدأ الله -عز وجل- في سورة عبس بذكر الأخ فالأم فالأب فالزوجة فالأبناء، والسبب في ذلك -والله أعلم- أن المقام مقام فرار وهروب والإنسان يفر من الأبعد فالأقرب والأخ أبعد المذكورين في الآية، حيث أن الزوجة والأولاد أقرب للإنسان من أخيه وأمه وأبيه فرتبهم على حسب العلاقة، وقدم الأم على الأب لأن الرجل أقوى من المرأة والجو العام جو فرار وهروب وفي هذه الحالة يلجأ الإنسان للأقوى، ووضع الأبناء في الأخير لأن أقرب الناس إلى المرء أبناؤه.
في قوله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه}، ذكر -سبحانه وتعالى- كلمة المرء ولم يذكر الإنسان مع أن الايات السابقة كانت تتحث عن الإنسان، قال تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره}، وقال أيضا: {فلينظر الإنسان إلىٰ طعامه}، والسبب في ذلك أن كلمة المرء تطلق ويراد بها الرجل وفي الفرار ذكر الصاحبة والرجل هو الذي يكون لديه زوجة، كما أن كلمة المرء تشمل الجن والإنس، وتطلق على الرجل الكبير والصغير.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة عبس