سورة الزلزلة من سور القرآن المدنية التي نزلت على النبي محمد –صلّى الله عليه وسلّم- بعد سورة النساء، وهي من سور المفصّل، وآياتها ثماني آيات، وترتيبها في المصحف الشريف السّورة التاسعة والتسعون، وتعظم مقاصد سورة الزلزلة حيث تتحدث عن قيام الساعة وجزاء العباد في الآخرة.
مقاصد سورة الزلزلة
ترتبط مقاصد سورة الزلزلة باسمها، فالزلزلة هو اسم من أسماء يوم القيامة، وآيات سورة الزلزلة تسرد بعض علامات يوم القيامة؛ فهي تبدأ بأسلوب شرط يمهد لاستقبال مقاصد السورة وما تشتمل عليه من مضامين، حيث يقول الله تعالى في مطلعها: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}، يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في شرح الآية الأولى: “أي تحرَّكتْ من أسفلها”، وبشكل عام إنَّ أسلوب الشرط في هذه الآية فتح المجال أمام الحديث عن علامات الساعة.
يقول الله -تبارك وتعالى- في الآيات اللاحقة: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}، وتشرح هذه الآيات تشرح علامات قيام الساعة، فأن تخرج أثقالها أي أن تخرج ما فيها من الأموات منذ عهد آدم حتَّى قيامة الساعة، واستنكار الإنسان من حال الأرض أمر طبيعي، فالتغيير الذي حدث تغيير لا يمكن أن يتصوره العقل البشري.
تدل هذه الآية على أنَّ من علامات الساعة خلل كبير في النظام الكوني، فيومئذ تخبر الأرض عمَّا فعل الناس فوقها، وهذا وحي من الله تعالى لها، وفي يوم الحساب يخرج الناس للحساب دون فرق في اللون أو العرق أو الشكل أو المظهر، فجميعهم سواسية أمام ربِّ السماوات والأرض، ويومئذ يجزى كلِّ امرئ بما كسب.
ثمَ يختمُ الله -عزَّ وجلَّ- هذه السورة المباركة بقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، أي إنَّ كلَّ إنسان يُجزى بما كسب ولا يظلم الله تعالى أحدًا.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الحاقة
لطائف سورة الزلزلة
تتضمن سورة الزلزلة العديد من اللطائف البيانية ومن ذلك ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي حول الفرق بين النبأ والخبر، فذكر بأنّ النّبأ أعظم من الخبر، مستشهدًا بقول أهل اللغة بأنّ النّبأ: خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظنٍّ.
لم يُستعمل الخبر في القرآن الكريم بصيغة الإفراد إلّا في قصّة موسى في سورة النّمل في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ}، وفي سورة القصص في قوله تعالى: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ}، ولا شكّ بأنّ الخبر الذي أراده موسى لا يرقى إلى أهميّة النّبأ.
قد يقول قائل: بأنّ الله تعالى قد ذكر الأخبار العظيمة في القرآن الكريم، كالآخرة، مثل قوله تعالى في سورة الزلزلة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، فالآيات السّابقة تدلّ على عظم ما سيحدث عند قيام السّاعة، فإذا كانت هذه الأخبار فكيف ستكون الأنباء؟!
لا بدّ وأنّه ستحدث أمور أعظم وأجسم من الزّلزلة، وكذلك من مثل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}، فمن مثل هذه الأخبار في القرآن الكريم كثيرة، فإذا كانت هذه هي الأخبار، فالأنباء أشد هولًا.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الزلزلة
مناسبة سورة الزلزلة لما قبلها
تتصل سورة الزلزلة بسورة البينة التي تسبقها في الترتيب، فلما ذكر في آخر {لم يكُن} أن جزاء الكافرين جهنم وجزاء المؤمنين جنات فكأنه قيل: متى يكون ذلك فقيل: {إِذا زُلزِلَت الأَرضُ زِلزالها} أي حين تكون زلزلة الأرض إلى آخره.
وذكروا في مناسبة هذه السورة لما قبلها وجوها منها: أنه تعالى لما قال: {جَزاؤهُم عِندَ رَبِهِم جناتُ عدنٍ} فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب فقال: {إِذا زُلزِلَت الأَرض} ومنها: أنه لما ذكر فيها وعيد الكافرين ووعد المؤمنين أراد أن يزيد في وعيد الكافرين فقال: {إِذا زُلزِلَت الأَرض} ونظيره: {يومَ تبيضُ وجوهٌ وتسودُ وجوه} ثم ذكر ما للطائفتين فقال: {فأَما الذينَ اسودت وجوهَهُم} إلى آخره ثم جمع بينهما هنا في آخره السورة بذكر الذي يعمل الخير والشر.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الزلزلة