نزل الأمين جبريل -عليه السلام- على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكة المكرمة بسورة من سور المسبحات وهي سورة الأعلى، وتُسمّى أيضًا بسورة سبِّح؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- يقول في بدايتها: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وهي سورة من سور المُفصّل في القرآن الكريم، ويبلغ عدد آيات هذه السورة المباركة تسع عشرة آية قرآنية، وتعظم مقاصد سورة الأعلى وما تتضمنه من موضوعات ولطائف قرآنية.
مقاصد سورة الأعلى
تتمثل مقاصد سورة الأعلى الإجمالية في إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة عظمته شيء من شوائب النقص كاستعجال في أمر من إهلاك الكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب، أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله، ويأمر الله بالتذكير بما أعدّه من الخير والنعيم لمن تزكى والعذاب الدائم في النار لمن آثر الحياة الدنيا.
جاءت مقاصد سورة الأعلى التفصيلية كالتالي:
بدأت سورة الأعلى بتنزيه الله تعالى عن كل نقص لا يليق بذاته العلية، وتبيِّنُ الآيات التالية عظمة الله تعالى الخالق البارئ، الذي خلقَّ فحسن الخلق قال الله تعالى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى {2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {3} وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى {4} فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى {5}).
تحدثت عن الوحي والقرآن الكريم، وبشرت رسول الله عليه الصلاة والسلام ببشارة حفظه فلا ينساه أبداً، وبينت علم الله تعالى للغيب وتيسيره أمور نبيه صلى الله عليه وسلم بقدرته عز وجل، قال تعالى: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى {6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى {7} وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى {8}).
أمرت الآيات بالتذكير بهذا القرآن العظيم فيستفيد من نوره المؤمنون ويتعظوا بينما يتجنب الاستفادة من هذه التذكرة العظيمة الأشقى، وفي الآيات تهديد للكافرين بما أعده الله لهم من العذاب في النار، حيث لا يموتون فيها ولا يحيون حياة سعيدة، قال تعالى: ( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى {9} سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى {10}وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى {11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى {12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى {13}).
خُتمت سورة الأعلى ببيان فوز من طهر نفسه من الأثام وزكاها بصالح الأعمال، كما يؤكد الله تعالى على أنَّ الآخرة خير من هذه الحياة الدنيا الزائلة، وهذا ما اجتمعت عليه الديانات السماوية السابقة، وهذا ما جاء به أنبياء الله جميعًا، وذلك من قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {14} ) إلى قوله تعالى : ( {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {19}).
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الصافات
مضامين سورة الأعلى
تعالج السورة باختصار الموضوعات الآتية:
- الذات العليّة وبعض صفات الله جلّ وعلا والدلائل على القدرة والوحدانية.
- الوحي والقرآن الكريم المنزّل على خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم وتيسير حفظه عليه.
- الموعظة الحسنة التي ينتفع بها أصحاب القلوب الحية ويستفيد منها أهل الإيمان والسعادة بينما يُعرض عنها أهل الكفر والشقاء.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة الإسراء
لطائف سورة الأعلى
في تخصيص الكلام عمَّا ورد من لطائف في سورة الأعلى، بداية لا يشك عاقلان في أنَّ كتاب الله -سبحانه وتعالى- كتاب معجز بكل ما فيه من علم وبلاغة وبيان، وأنَّ هذا الكتاب مهما بحث في إعجازه الباحثون سيظلُّ فيه أشياء غامضة تنتظر من يكشف عنها الستار ويقيم بها الحجة على كلِّ من يحاول أن ينال من عظمة كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وسورة الأعلى على وجه الخصوص سورة مكية ترتيبها في القرآن الكريم جاء بعد سورة الطارق مباشرة، حيث إنَّ سورة الأعلى هي السورة السابعة والثمانون في ترتيب المصحف الشريف، بينما سورة الطارق هي السورة السادسة والثمانون.
ومن الجدير بالذكر هو مناسبة سورة الأعلى لسورة الطارق من حيث الآيات، ففي سورة الطارق يذكر لله تعالى خلقَ الإنسان في قوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ}، ويذكرُ خلقَ النَّبات أيضًا في قوله: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}.
ثمَّ جاءت سورة الأعلى لتذكر خلق الإنسان أيضًا في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}، ويذكرُ خلق النَّبات أيضًا في قوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ}، وهذا الترتيب يُسمَّى مناسبة السورة القرآنية لما قبلها، وهو من صور البلاغة القرآنية، والله تعالى أعلى وأعلم.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الأعلى