تُصنف سورة المدثر ضمن السور المكية، التي نزلت على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في بداية البعثة النبوية، وعدد آياتها ست وخمسون آية، وقد نزلت سورة المدثر بعد سورة المزمل، وتدور مقاصد سورة المدثر حول الأمر بإنذار الناس بأنهم محاسبون على أعمالهم وعلى النعمة التي استخلفهم الله عليها.
مقاصد سورة المدثر
تتمثل مقاصد سورة المدثر إجمالًا في الدعوة إلى الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز الغفار، واسمها المدثر أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب.
- دعوة الرسول -عليه الصلاة السلام- إلى الإنذار من الجد والاجتهاد في الدنيا التي هي دار البوار، والنهي عن الاستكبار والإغترار فيها.
- الإقرار بتوحيد الله وحده والإقرار بألوهيته ونبذ عبادة الأصنام والأوثان.
- الأمر بالطهارة المعنوية والحسية من النجاسات والأدران كافة.
- التوجيه إلى ضرورة التحلي بالصبر والتحمل والإكثار من الصدقة.
- السورة بمثابة تهديد للكفار والمشركين ممن سمع القران الكريم وكذبه وادعى بأنه من قول بشر وليس وحيا منزلا.
- الإنذار بيوم القيامة وما فيه من الأهوال وتهديد المشركين مع ذكر لأوصاف النار؛ ولهذا تطرقت إلى قصة الوليد بن المغيرة الذي فضل الزعامة على الإيمان بالله، فقد فكر في أن يرد على الرسول -عليه السلام- فيما جاء به من القرآن الكريم، فاخطأ في تقديره، فالقرآن الكريم ليس شعرا مثل شعر العرب، وليس كلاما مثل كلام الكهان، وليس سحرا.
- القسم ببعض الظواهر الكونية للدلالة على قدرة الله -سبحانه وتعالى-.
- مصير الناس في الآخرة. مرهون بما كسبوا في الحياة الدنيا، فهم إما إلى الجنة وإما إلى النار وفقا لأعمالهم.
- بيان أسباب دخول سقر، وهي نار جهنم التي حذر الله عباده منها، حيث أن الإعراض عن الصلاة وإطعام المساكين والخوض مع الخائضين من أهم أسباب دخولها، بالإضافة إلى التكذيب بيوم الدين.
- ذكر أسباب إعراض المشركين عن الإيمان بالله والخضوع له، وبيان ضلال الكفار والمشركين في الدنيا ومقارنة حالهم بحال المؤمنين المصلين والمزكين والمتصدقين.
- الإقرار بأن أكثر الناس مكذبين ومعرضين شغلتهم الدنيا لا يتذكرون ولا يتعظون.
- بشارة الله -تعالى- لأهل الذكر، والدعوة إلى الإيمان، مع التذكير بوعد الله بالرحمة والغفران.
اقرأ أيضا: تفسير سورة القيامة للأطفال
موضوعات ومضامين سورة المدثر
يمكن تقسيم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى ثلاثة موضوعات رئيسية: هي الإنذار من العذاب والتذكير بالعبادة، ثم التخويف بالبعث وبالعذاب بالنار، يقابله إعراض أكثر الناس عن الإنذار والتذكرة. كما يلي:
تكليف الرسول صلى الله عليه وسلم، بالقيام بتبليغ الدعوة بجد ونشاط، وإنذار الكفار، والصبر على أذاهم، حتى يحكم الله بينه وبينهم. ثم إنذار وتهديد أولئك المجرمين، بيوم عصيب شديد، لا راحة لهم فيه، لما فيه من الأهوال والشدائد. ويشتمل هذا الجزء على الآيات من بداية السورة وحتى الآية العاشرة.
ذكر قصة الفاجر (الوليد بن المغيرة) الذي سمع القرآن، وعرف أنه كلام الرحمن، ولكنه في سبيل الزعامة وحب الرئاسة، زعم أنه سحر كالذي تعرفه البشر، فلعنه الله وأهلكه في الدنيا وعذبه في الآخرة. ويبدأ هذا الجزء من الآية الحادية عشر وحتى الآية الحادية والثلاثين.
التخويف بالنار لعلهم يرجعون إلى ربهم الذي أرسل لهم هذه الآيات والنذر. فتتحدث عن النار التي أوعد الله بها الكفار، وعن خزنتها الأشداء، وزبانيتها الذين كلفوا بتعذيب أهلها، وعن عددهم، والحكمة من تخصيص ذلك العدد. وأقسم سبحانه على أن جهنم هي إحدى البلايا الكبار نذيرا للبشر. لكنهم ينكرون البعث والنشور والعذاب فيعرضون حتى إذا ما فاجأهم الأمر اليقين حيث لا شفيع لهم، اعترفوا بذنبهم أنهم لم يكونوا من المصلين ولم يكونوا يطعمون المسكين وكانوا يخوضون مع الخائضين. ويبدأ هذا الجزء بالآية الثاثية والثلاثين وحتى نهاية السورة.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المدثر للأطفال
لطائف سورة المدثر
من لطائف سورة المدثر أن ملاءمتها لسورة المزمل جاءت واضحة، واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما ابتدأت به كل واحدة منهما من جليل خطابه عليه الصلاة والسلام وعظيم تكريمه {يا أيها المزمل (1)} في سورة المزمل، {يا أيها المدثر (1)} في سورة المدثر، والأمر فيهما بما يخصه {قم الليل إلا قليلاً (2) نصفه…(3)}، وفي الأخرى {قم فأنذر (2) وربك فكبر (3)}.
أتبعت في سورة المزمل الأمر بقوله: {فاصبر على ما يقولون (10)}، وبينما جاء الأمر في سورة المدثر بقوله {ولربك فاصبر (7)}، وكل ذلك قصد واحد، واتبع أمره بالصبر في المزمل بتهديد الكفار ووعيدهم {وذرني والمكذبين (11)}، وكذلك في سورة المدثر {ذرني ومن خلقت وحيداً (11)}، فالسورتان واردتان في معرض واحد وقصد متحد.
لم تخلُ سورة المدثر من بعض اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {إنها لإحدى الكبر}، وكلمة “الكبر” تحتمل معنيين بحسب ما قاله علماء التفسير البياني، فهذه الآية جاءت في سورة المزمل خبرا لقوله تعالى: {سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر}، فقسم من أهل العلم قالوا بأن البلايا التي تصيب أهل النار كثيرة وسقر واحدة منها، “فالكبر” هو صيغة مبالغة وجمع “كبرى”، وهي ليس فقط اسم تفضيل وحسب وإنما هي أعلى درجات التفضيل لأن الكبرى هي تأنيث الأكبر بالألف واللام “بأل التعريف” والأكبر أقوى من أكبر.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة المدثر