مقاصد سورة التين

تُصنّف سورة التين ضمن السور التي نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء وجوده في مكة المكرمة قبل الانتقال إلى المدينة المنورة، وتتكون السورة من ثماني آيات فقط، وتكثر مقاصد سورة التين رغم صغرها وقصرها، فسور الكتاب لا تُقاس بآياتها وإنَّما باتساع آفاق كلماتها وعظمة مداها، ومقاصد سورة التين على وجه الخصوص عظيمة، تتضح من خلال إلقاء نظرة على آيات هذه السورة المباركة.

مقاصد سورة التين

مقاصد سورة التين

تتمثل مقاصد سورة التين الإجمالية في بيان خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، خَلقًا وخُلُقًا، وصورة وفطرة، مؤمن بالدين يعمل الصالحات، فله أجر غير ممنون. ثمّ ردّه الله إلى أسفل سافلين بسبب تكذيبه بالدين ومخالفته للفطرة القويمة. فالسورة تأمر الإنسان بالإيمان واتباع الدين إذا أراد أن يظل في عليين، التزامًا بالفطرة ووفاءًا بالأمانة التي حملها، وتحذره من الكفر والتكذيب لكيلا يرد أسفل سافلين.

تأتي مقاصد سورة التين التفصيلية بحسب ترتيب آياتها على النحو التالي:

القسم الإلهي بـ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، وهو بيت المقدس، مكان رسالة عيسى –عليه السّلام- {وَطُورِ سِينِينَ}، وهو جبل الطّور الذي وقف عليه موسى –عليه السّلام- وناجى ربّه من فوقه، {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}، هذا البلد آمنٌ بنفسه، ويؤمّن من دخله، وهو مكّة المكرّمة، مكان نزول الوحي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وهذه الأماكن الثّلاثة لها حرمتها، وقداستها، لأنّها مهبط الكتب السّماوية الثّلاثة “الإنجيل والتّوراة والقرآن الكريم”، فكان التّرتيب الإلهيّ من الفاضل إلى الأفضل.

تكريم الله –تعالى- للإنسان بأن خلقه في أحسن هيئة وأحسن صورة، بأنْ جعله منتصبًا قائمًا، ليس كغيره من المخلوقات، بقوله –تعالى-: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.

عقوبة الله تعالى لمن فضّل الكفر على الإيمان، بإنزاله إلى الدّرك الأسفل من النّار، وجاء ذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}، هذا الحكم لمن أعرض عن الإيمان وكفر، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.

استثناء الله –تعالى- لعباده الصّالحين من الرّدّ إلى أسفل سافلين، فقد بشّرهم الله –تعالى- بقوله: {إلّا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات، فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}، الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصّالحة، لهم أجر عظيم غير منقطع، ولا منقوص في الجنّة ثوابًا لهم على طاعاتهم.

تأنيب الله –تعالى- للذي مازال تائهًا في غيابات الطّغيان والظّلام، بقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}. كلّ ما سبق من الأدلّة العقليّة والنّقليّة أما وعيتها أيّها الإنسان الغافل عن الله -تعالى-؟!

ختام السورة بتساؤل لبني البشر، ليثبت من خلاله بأنّه أحكم الحكماء وأحكم القضاة، وقاضي الحكماء، وقاضي القضاة، ويقيم الحجّة على من ينكر فضله من الكافرين.

اقرأ أيضا: مقاصد سورة المطففين

مضامين سورة التين

يقول الله -تعالى- في مستهل سورة التين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون * وَطُورِ سِينِين * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِين}، حيث بدأ الله -تعالى- السّورة بالتين والزيتون، ليجري مشابهة بين فاكهة التّين وثمار الزّيتون، وبين بني البشر الذين خلقوا على الفطرة وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ولكن بعد ذلك ينقسمون إلى صنفين، صنف يميل عن الحقّ ويفسد كفاكهة التّين التي سرعان ما تفسد ويتلاشى صلاحها، وصنف يثبت على الحقّ، ولا يحيد عنه كثمار الزّيتون التي يدوم صلاحها طويلًا، ولا تتغيّر، ولا تتبدّل،

أمَّا طور سينين فهو جبل الطور الذي تجلَّى الله عنده لموسى وكلَّمه هناك، أمَّا هذا البلد الأمين فهو مكة المكركة، يقول ابن كثير: “ولا خلاف في ذلك، وقد أقسم الله بمكة لأنَّها أحبُّ البقاعِ إلى الله، وأشرفُ البقاعِ عند الله”.

يقول الله تعالى في سورة التين: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين}، في هذه الآية جواب القسم الأول، فقد أقسم الله بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين بأنَّه خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل ومظهر، خلقه تامَّ الأعضاء سويَّ الخلقة.

قال ابن العربي: “ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإنَّ الله خلقه حيًّا عالمًا قادرًا مريدًا متكلِّمًا سميعًا بصيرًا مدبرًا حكيمًا”، أمَّا ردة الإنسان إلى أسفل سافلين فقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “ثمَّ بعد هذا الحسن والنَّضارة مصيرُهُ إلى النَّار إنْ لم يطعِ الله ويتبعِ الرسلَ”، ثمَّ يستثني الله تعالى المؤمنين الذين عملوا الصالحات من هذا المصير المؤسف ويعدهم بالأجر غير المنقطع في قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون}.

يختم الله تعالى هذه السورة بالاستفهام والتعجب بقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين}، أي ما الذي يجعل الإنسان عاصيًا مكذبًا بالدين الصحيح وقد رأى هذه الآيات البينات بأمِّ عينيه، وإنَّما هذا العدل في المصير هو دليل على حكمة الله وعدله وكرمه.

اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة التين

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version