تعدّ سورة التحريم سورة مدنية، فهي من السور المفصّلة، وعدد آياتها اثنتا عشرة آية، وتقع في المصحف بالترتيب السادس والستين في الجزء الثامن والعشرين في الربع الثامن منه، وتحديداً في الحزب السادس والخمسين، وتعظم مقاصد سورة التحريم حيث تدعو السورة إلى ضرور اتباع أوامر الله، فالله قد أحل الحلال وحرم الحرام، ولم يأذن بذلك لأحد من خلقه، لذلك علينا عدم مخالفة التشريعات الإلهية وقايةً من عقاب الله.
مقاصد سورة التحريم
تتمثل مقاصد سورة التحريم الإجمالية في الحث على تقدير التدبير في الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع سائر العباد والندب إلى التخلق بالأدب الشرعي وحسن المباشرة لاسيما للنساء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن عشرته وكريم صحبته وبيان أن الأدب الشرعي تارة يكون باللين والأناة، وأخرى بالسوط وما داناه ومرة بالسيف وما والاه.
جاءت مقاصد سورة التحريم التفصيلية كالتالي:
وجّه الله تعالى المؤمنين في سورة التحريم بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتشديد والإغلاظ على الكفار والمنافقين، وذكر الله تعالى أيضاً أمثلة للنساء اللواتي لم يكن قربهن من العباد الصالحين عاملاً لتغييرهن إلى الأفضل، وكل ذلك زيادةً في التهديد والوعيد للتآمر الذي كان بين المتظاهرتين وإفشاء سر الزوجية، وبيان خطورة ذلك وما يترتب عليه، كما ورد في سورة التحريم تلميح بطلاق الرسول عليه الصلاة والسلام لجميع زوجاته، حيث قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ).
بدأت سورة التحريم بالإشارة إلى أمرين مهمين، وانتهت بالإشارة لكلا الأمرين أيضاً؛ الأول منهما ما ذكره الله تعالى في بداية السورة من أمثال الآداب المتمثلة بالثيبات والأبكار الأخيار، ثمّ عطف في آخر السورة عليها، وزاد أيضاً على ذلك أنّ الحسن يكون في الذوات والأعيان، فذكر آسيا امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وبيّن أنّهما في الجنة التي تعدّ دار القرار.
ذكر أيضاً في بداية السورة التهديد والوعيد من الله تعالى للمتظاهرتَين رغم مكانتهما عند الله تعالى، ثمّ عاد في خاتمة السورة ليذكر زوجتي نبيّ الله اللتين خالفتا أمر زوجهما، حيث قال الله تعالى فيهما: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، فالمتظاهرتان لم تنتفعا من القرب من الصالحين.
أكدت السورة على أنّ أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريره تعدّ من مصادر التشريع للأمة، لذلك بيّنت الآيات أنّ الامتناع عن المباح دون الاستناد إلى مصلحة معتبرة سابقة تشريعية قد يكون من الأمور التي تؤدي بالأمة إلى الوقوع في الحرج، لذا أُمر الرسول بالرجوع عمّا حرّم على نفسه.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة التحريم
موضوعات ومضامين سورة التحريم
تتناول موضوعات ومضامين سورة التحريم الشئون التشريعية، وتعالج قضايا وأحكاما تتعلق ببيت النبوة وبأمهات المؤمنين الطاهرات في إطار تهيئة البيت المسلم والنموذج الأكمل للأسر السعيدة، وقد احتوت السورة على ثلاثة موضوعات رئيسية، كما يلي:
الإشارة إلى حادثة حقيقية حصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، كان فيها قد حرم على نفسه شيئاً كان الله قد أحله له. فعاتبه الله بأنه لا ينبغي المجاملة في الدين، ولا تحريم ما أحله الله، أو تحليل ما حرمه الله لأجل أي مخلوق كان، ولا ينبغي المجاملة في اتباع الحلال واجتناب الحرام، لأن الله هو مولاكم وشرع لكم الحلال والحرام بعلمه وحكمته.
مخاطبة كل فئات الناس وأمرهم بالعمل للآخرة: ذلك بأن كل مؤمن مسؤول عن وقاية نفسه أولاً ثم وقاية وحفظ أهله بما يحفظ به نفسه ومن نار وقودها الناس والحجارة. وأن الكافرون قد خسروا بكفرهم وبما كانوا يعملون ولن ينفعهم أن يعتذروا يوم الحساب. وأن يتوب المؤمنون توبة نصوحة لكي يغفر لهم ويفوزوا بالجنة. وأن يجاهد النبي (وهو القائد) الكفار والمنافقين والغلظة عليهم فهؤلاء مصيرهم إلى النار.
ضرب الله الأمثال بالقصص عن امرأتين مؤمنتين هما امرأة فرعون ومريم ابنة عمران حافظتا على إيمانهما تحت أصعب الظروف، وأخريان كافرتين امرأة نوح وامرأة لوط لم يؤمنا في أحسن الظروف الإيمانية وهن زوجات أنبياء مرسلين.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النور
لطائف سورة التحريم
تُعد سورة التحريم تتمة لمجموعة من السور التي قبلها بدايةً من سورة الحديد، ففي هذه السور العشرة المدنية، نزّه الله سبحانه نفسه عن قول الكافرين، وبين أن الكون كلّه ينزهه، وأنه يجب على المكلفين أن يسبحوه وينزهوه لأنه يستحق ذلك بصفات الجلال والكمال عنده، فالله قريب من عباده يسمع ويرى ويبين لهم (بالدليل) حدود السعادة في الدنيا وموجبات الفوز والنجاة في الآخرة، ويحثهم على الخير حتى يغير ما بهم من حال إلى حال بحسب أعمالهم التي تشمل نواياهم وكلامهم وتصرفات جوارحهم، فهو سبحانه وتعالى مع الناس في كل تفاصيل حياتهم يمد ويؤازر المؤمنين ويحبط عمل الكافرين.
تشتمل سورة التحريم على بعض اللطائف البيانية مثل الفرق بين “نبّأ وأنبأ” والذي يتضح من قوله تعالى في سورة التّحريم: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}. إنّ لفظ “نبّأ” يحتمل التّنبيء أكثر من لفظ “أنبأ” مثل: “علّم وأعلم”، فإنّ أعلم، قام بنقل المعلومة مرة واحدة، لكن علّم، يحتاج وقتاً من التّعليم، مثل: علّمته النّحو، إذن التّنبيء وقته أطول، أو ما يُذكر فيه أكثر من أنبأ، فنبّأ إذنْ أكثر.
اقرأ أيضا: فضل سورة التحريم