تُعتبر سورة الجمعة من السور القرآنية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهي السورة الثانية والستين في ترتيب المصحف، وتشتمل على إحدى عشرة آية. تتناول مقاصد سورة الجمعة جانب التشريع والمحور الذي تدور عليه السورة بيان أحكام ” صلاة الجمعة ” التي فرضها الله على المؤمنين.
مقاصد سورة الجمعة
لا شكّ في أنَّ مقاصد كلِّ السور قيمة عظيمة ويجب على المسلم أن يكون على دراية وعلم بها؛ فالقرآن الكريم هو المنهاج وهو المصدر التشريعي الإسلامي الأول الذي ينبغي على المسلمين جميعًا أن يأتمروا بأوامرِهِ وينتهوا عن منهياته، وفيما يأتي مقاصد سورة الجمعة وفقًا لتسلسل آيات هذه السورة المباركة:
مقاصد سورة الجمعة من الآية 1 حتى 8
يمكن تحديد مقاصد سورة الجمعة من قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} إلى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} في النقاط التالية:
- تبدأ الآيات السابقة بإظهار عظمة الله -عزَّ وجلَّ- وتبيِّن أنَّ كلَّ ما في الكون خاضع لقوَّته وإرادته وحكمه وحده لا شريك له أبدًا.
- وتذكر الآيات السابقة بعثة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في بلاد العرب تكريمًا للعرب وتشريفًا لهم أجمعين، وعلى الرغم من أنَّ رسول الله عربي وبُعث في بلاد العرب إلَّا أنَّ رسالته للناس أجمعين من العرب وغير العرب ممن ولدوا وممن لم يولدوا إلى يوم الحساب.
- ثمَّ تسلِّط الآيات السابقة الضوء على اليهود وابتعادهم عن شرع الله -جلَّ وعلا-، وتذكر كيف تخلَّى اليهود عن التوراة الذي أنزله الله عليهم من عنده، وفي الآيات توبيخ لليهود على زعمهم الكاذب حي يعتقد اليهود أنَّهم أحبّ الأمم عند الله تعالى، ثمَّ تذكِّرُ الآيةُ الثامنةُ الناسَ بالموت وبحتمية لقائه مهما طال العمر.
مقاصد سورة الجمعة من الآية 9 حتى 11
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، ومقاصد سورة الجمعة في هذه الآيات هي:
- تدعو الآيات الكريمة المسلمين بشكل عام إلى أداء صلاة الجمعة وعدم التكاسل والانشغال بالدنيا عنها وعدم التأخر عن وقت الصلاة.
- تُختتم الآيات بعتاب المسلمين الذي تركوا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي وحده وانصرفوا إلى تجارتهم ولهوهم وفي هذه الآيات دعوة للمسلمين للالتزام بطاعة الله وأوامره والاستعانة به وحده فهو الرزاق الكريم، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضاً: لماذا سميت سورة الجمعة بهذا الاسم
لطائف سورة الجمعة
كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يخطب خُطبة الجمعة، وإذا بأصوات الدفوف تدق دلالةً على قدوم التجارة، فترك المصلون المسجد وانصرفوا لاستقبال التجارة، فنزلت الآية الكريمة من سورة الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، ومن الملحوظ تقديم التجارة على اللهو في الجزء الأول من الآية، و تقديم اللهو على التجارة في الحكم العام في الجزء الثاني في الآية الكريمة.
يشار إلى ضرب الدفوف في الآية الكريمة باللهو، لذا؛ فإن السبب في تقديم التجارة على اللهو في الجزء الأول من الآية هو أن التجارة هي سبب نزول الآية، وبأن اللهو تابع للتجارة، أي أن التجارة هي الحدث الرئيس المؤدي إلى اللهو وهو ضرب الدفوف، بينما في الجزء الثاني في الحكم العام للآية فقد تم تقديم اللهو على التجارة، والسبب في ذلك أن اللهو أعم من التجارة، فغالب الناس يلهون، ولكن ليست غالبية الناس تعمل في التجارة، وفي سبب آخر، فإن التجارة هي أحد أسباب الرزق، لذا؛ كانت كلمة التجارة أقرب إلى قوله تعالى في نهاية الآية الكريمة {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
يظهر في وجه اتصال سورة الجمعة بما قبلها: أنه تعالى لما ذكر في سورة الصف حال موسى مع قومه وأذاهم له ناعياً عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل أمته تشريفاً لهم ليظهر فضل ما بين الأمتين ولذا لم يعرض فيها الذكر اليهود. وأيضاً لما ذكر هناك قول عيسى: {ومُبشراً برسول يأَتي من بَعدي اسمُهُ أَحمد (6)} الصف، قال هنا: {هوَ الذي بعث في الأُميين رَسولاً منهم (2)} الجمعة، إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى وهذا وجه حسن في الربط.
ولما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تجارة ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أنها خير من تجارة الدنيا. وأيضاً: فتلك سورة الصف والصفوف تشرع في موضعين: القتال والصلاة فناسب تعقيب سورة صف القتال بسورة صلاة تستلزم الصف ضرورة وهي الجمعة لأن الجماعة شرط فيها دون سائر الصلوات فهذه وجوه أربعة للتناسب بين سورة الجمعة وما قبلها.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الجمعة