تقع سورة الممتحنة في الجزء الثامن والعشرين، وهي السورة رقم 60 في ترتيب المصحف الشريف، وعدد آياتها ثلاث عشرة آية، وترتكز مقاصد سورة الممتحنة على بيان قيمة العقيدة؛ ولأنها من السور المدنية، فقد اشتملت على عدة أحكام تشريعية مثل النهي عن موالاة الكفار وبيان أسس التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى، مع الحديث عن امتحان المهاجرات وبيعة المؤمنات.
مقاصد سورة الممتحنة
تتمثل أبرز المقاصد التي اشتملت عليها سورة الممتحنة في بيان ما يأتي:
- على المؤمن أن يتصرّف وفق المنهج الإسلامي وحسب توجيهات الله سبحانه وتعالى وأوامره ونواهيه.
- يجب على كل مسلم أن يبني علاقاته الاجتماعية على مبدأ الإيمان، بغض النظر عن اللون والجنس والعرق والغنى والفقر، فجميع الناس سواسية وما يميزهم عن بعض هو الإيمان بالله تعالى فقط.
- العلم والعمل هما ما يميزان الإنسان عن غيره ويرفعانه في المكانة.
- الولاء للدين الإسلامي والعمل من أجل الإسلام، فعلى كل مسلم تقديم النصح للمسلمين وتقديم خبراته ومساعدته للمسلمين، والابتعاد عن الخوض مع الكافرين بعلاقات الود والمحبة، ولا مشكلة في علاقات العمل، وهذا ما يتناسب مع قصة طلحة.
- المسلم الغيور على دينه يتطلع إلى إظهار كل ما هو خير وجيد من المسلمين لتنعكس صورة جيدة لدى الكافرين ويحببهم في الدين الإسلامي.
- أمرنا الله بمصاحبة المؤمنين وترك الكافرين، تأكيدًا على ما قاله رسول الله: “لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ”. (( الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : أبو داود | المصدر : سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4832 | خلاصة حكم المحدث : سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] ))
- التأكيد على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى، فرضى الله عز وجل فوق كل شيء.
اقرأ أيضا: فضل سورة الممتحنة
موضوعات ومضامين سورة الممتحنة
تهتم سورة الممتحنة بجانب التشريع، ويدور محورها حول فكرة الحب والبغض في الله الذي هو أوثق عرى الإيمان واشتملت على كثير جدا من الأحكام التشريعية.
ابتدأت بالتحذير من موالاة أعداء الله الذين آذوا المسلمين واضطروهم للهجرة عن ديارهم، وذلك من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ … {1}) إلى قوله تعالى : (… وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ {2}).
بيّنت أن النسب والقرابة والصداقة لن تنفع يوم القيامة فلا ينفع وقتها إلا العمل الصالح، قال تعالى: (لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {3}).
ضربت المثل في إيمان إبراهيم عليه السلام و أتباعه المؤمنين ليكونوا للمؤمنين قدوة (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ {4}) إلى قوله تعالى : (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {7}).
تحدّثت عن حكم الذين لم يعادوا المسلمين ولم يقاتلوهم، وحكم الذين آذوا المؤمنين وقاتلوهم، وذلك من قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ … {8}) إلى قوله تعالى : ( … وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {9}).
أكّد الجزء الأخير من سورة الممتحنة على وجوب امتحان المؤمنات عند الهجرة وعدم ردهن للكفار إن ثبت إيمانهنّ، وحكم مبايعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشروط البيعة، وذلك من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ … {10}) إلى قوله تعالى : ( … قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ {13}).
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النساء
لطائف سورة الممتحنة
هناك تناسب بين أواخر سورة الحشر ومفتتح سورة الممتحنة، ف لما كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب، عقبت بهذه، لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين، لأنها نزلت في صلح الحديبية ولما ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، ثم موالاة الذين من أهل الكتاب، فتتح هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك، وكرر ذلك وبسطه، إلى أن ختم به، فكانت في غاية الاتصال، ولذلك فصل بها بين الحشر والصف، مع تآخيهما في الافتتاح بـ: (سبّح).
تضمنت سورة الممتحنة بعض اللطائف اللغوية كما في قوله -تعالى-: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}، وبعدها قوله -تعالى-: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}، ففي الموضع الأول أريد الحديث عن حال من المخاطبين، كما لو قيل: أتلقون إليهم؟ والاستفهام هنا مقدر، وقيل أيضا: هو خبر للمبتدأ، أي إن التقدير يكون: أنتم تلقون، والثاني يكون بدلا من الأول على اعتبار الوجوه المذكورة، والباء في قول الأخفش زائدة، وقيل بسبب أن تودوا، وقال الزجاج في تقدير ذلك: تلقون إليهم أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- وسره بالمودة.
وفي قوله -تعالى-: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}، وقوله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، تكرر تعبير الأسوة الحسنة، ولكن الفرق بينهما أن المرة الأولى أريد بها التأسي بهم في البراءة من الكفار أولا، ومن عبادة غير الله تعالى ثانيا، وأما في المرة الثانية فقد أريد التأسي بهم في الطاعات واجتناب المعاصي؛ لقوله -تعالى- بعده: {لمن كان يرجو الله واليوم الاخر}؛ أي من كان يريد ثوابه وعقابه.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الممتحنة