تصنف سورة الممتحنة ضمن السور المدنية، فقد نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة بعد سورة الأحزاب، وهي في الجزء الثامن والعشرين وفي الحزب الخامس والخمسين، رقمها من حيث الترتيب في المصحف الشريف 60، عدد آياتها 13 آية، ويعتبر فضل سورة الممتحنة عظيما بفضل ما تتضمنه من موضوعات وما تهدف إليه من مقاصد سامية.
فضل سورة الممتحنة
سورة الممتحنة كالكثير من سور القرآن الكريم لم يرد في فضلها أحاديث خاصة بالسورة، إنما وردت بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي لا أصل لها، كالحديث الذي رواه أبي بن كعب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قرأ سورة الممتحنة كان المؤمنون والمؤمنات له شفيعا يوم القيامة، وصلّت عليه الملائكة واستغفرت له”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 288 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
تجدر الإشارة إلى أن فضل سورة الممتحنة كفضل بقية سور القرآن الكريم، ففي قراءتها كما في قراءة القرآن الكريم كله للمسلم في قراءته أجر كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله. وكما ورد في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 2/263 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
ويتجلى فضل سورة الممتحنة أيضا في العمل بما جاءت به من أحكام وأوامر كتبها الله تعالى على عباده المسلمين في كتابه الكريم فلا عبرة في قراءة دون عمل.
ثبت عن بعض أهل البيت آثار في فضل هذه السورة، فقد جاء عن الإمام علي بن الحسين: من قرأ سورة ( الممتحنة ) في فرائضه ونوافله ، امتحن الله قلبه للإيمان ، ونوّر له بصره ، ولا يُصيبه فقر أبداً ، ولا جنون في بدنه ولا في ولده. (( ثواب الأعمال : ١٤٥ / ١ ، وعنه في الوسائل ٦ : ١٤٢ / ٧٥٦٠ )). وجاء عن الإمام الصادق في فضل سورة الممنحنة: من بُلي بالطُّحال وعَسُر عليه ، يكتُبها ويشربها ثلاثة أيام متوالية ، يزول عنه الطُّحال بإذن الله تعالى. (( تفسير البرهان ٥ : ٣٥١ / ١٠٦٥٣ ))
اقرأ أيضا: فضل سورة الأحزاب
فضائل سورة الممتحنة وخواصها
عُرفت هذه السورة بهذا الاسم في غالبية المصاحف والممتحِنة -بكسر الحاء- وتعني المُختبرة أي التي نزل فيها الامتحان والاختبار وهذا القول هو الأشهر عند أهل التفسير حيث جاء لفظ الامتحان في معرض الحديث عن امتحان النساء المؤمنات المهاجرات من مكة إلى المدينة قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ”.
ويُطلق عليها أيضا اسم الممتحَنة -بفتح الحاء- في إشارةٍ إلى المرأة التي وقع عليها الامتحان والاختبار في إيمانها للتأكد من صدقها وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط زوجة عبد الرحمن بن عوفٍ، كما تُسمى بسورة المودة وسورة الامتحان.
تبدأ آيات سورة الممتحنة بالإشارة إلى فتح مكة المكرمة وإلى ما اقترفه حاطب بن أبي بلعتة عندما أرسل يخبر المشركين عن أسرار المسلمين عندما أرادوا الخروج لفتح مكة، لكن الله كشف أمره فقبض عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل”.
تحدثت سورة الممتحنة عن سيدنا إبراهيم وأتباعه عندما تبرؤوا من قومهم الكفار، ثم تبين السورة أن معاداة المسلمين للكافرين ولأعداء الله خاصة بحالة الاعتداء والقتال، قال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.
بينت الآيات بعد ذلك بعض القواعد التي يجب اتباعها في معاملة النساء المهاجرات من ديار الكفر إلى ديار الإيمان، كأن يتم امتحانهن لإثبات إيمانهن، فإذا ثبت إيمانهن فلا يجوز إرجاعهن إلى ديار الكفر، وأوجبت التفريق بين المؤمنة وزوجها الكافر ودفع المهر له، ويحل للمسلمين الزواج من هؤلاء المهاجرات إذا أعطوهن مهورهن، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم”.
اقرأ أيضا: فضل سورة الحجرات