سورة المجادلة هي السورة الثامنة والخمسون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة المائة وثلاث وفق تعداد نزول سور القرآن، نزلت بالمدينة المنورة بعد سورة المنافقين، وقبل سورة التحريم، وتدور مقاصد سورة المجادلة حول التبرؤ من المناهج الأخرى والاتصال بالإسلام.
مقاصد سورة المجادلة
تتمثل مقاصد سورة المجادلة في النقاط التالية:
- الحكم في قضية مظاهرة أوس بن الصامت من زوجه خولة، وبيان حكم ظهار الرجل من امرأته، بأن يقول لها -مثلاً-: أنت عليَّ كظهر أمي.
- إبطال ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهر منها زوجها، وأن عملهم مخالف لما أراده الله سبحانه، وأنه من أوهامهم وزورهم التي كبَّتهم الله بإبطالها.
- الإعلام بإيقاع البأس الشديد، الذي أشارت إليه سورة الحديد بمن حاد الله ورسوله؛ لما له سبحانه من تمام العلم، اللازم عنه تمام القدرة، اللازم عنه الإحاطة بجميع صفات الكمال.
- التأكيد على أن الله تعالى يعلم جميع ما في السماوات والأرض، ومن ذلك أنه يعلم السر والنجوى، وبيان مصير الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول صلي الله عليه وسلم.
- بيان ضلالات المنافقين ومنها مناجاتهم بمرأى المؤمنين ليغيظوهم ويحزنوهم، ومنها موالاتهم اليهود، وحلفهم على الكذب.
- تناول آداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم. وشرع التصدق قبل مناجاته صلى الله عليه وسلم، وأن على المؤمنين إذا قيل لهم: تفسحوا في المجالس أن يتفسحوا.
- الثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهود والمشركين، وأن الذين يتولون قوماً معادين الإسلام أعد الله لهم عذاباً مهيناً.
- الإقرار بأن الله تعالى قضى بأن يغلب هو ورسله جميع أعداء الدين، وأن الله ورسوله وحزبهما هم الغالبون.
- الإخبار بأن من يتركون مودة من يحادون الله ورسوله -ولو كانوا أقاربهم- أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، وأنهم سيدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة المنافقون
موضوعات ومضامين سورة المجادلة
اسم السورة هو “المجادلة” وتعني الحديث أو الكلام بين الأفراد لإثبات وإظهار الصواب، وكذلك المناجاة للتعبير عمّا يجول في الخاطر. والحديث هو الموضوع الرئيسي الذي ركزت عليه وعلى نتائجه السورة. إذ أن الحديث والكلام والمناجاة بين الناس له تأثير كبير وخطير على المجتمع المسلم، قد يبني وقد يهدم، لكن قد يستسهله البعض ويعتقد أنه لا خطورة منه طالما هو لم يصدر عنه عمل، وهو اعتقاد غير صحيح لأن اللسان ترجمان القلب، ويدل على فكر ونوايا الإنسان.
سلَّطتْ الآيات الست الأولى من سورة المجادلة الضوء على مسألة مهمة جدًا، وهي مسألة ظلم المرأة كالظهار، والظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: “أنت علي كظهر أمي”، وقد حرَّم الإسلام الظهار الذي كان بمثابة الطَّلاق في الجاهلية، ولكنَّ الإسلام حرَّمه وجعل له كفَّارة، وكفَّارة الظهار في الإسلام تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينًا، قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
بيَّنت الآيات أنَّ أحكام الشريعة التي جاء بها القرآن الكريم لم تنزل على الناس دفعة واحدة وإنَّما نزلت بشكل تدريجي وفقًا لما يحدث من أحداث، وهذا ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم أسباب نزول الآيات القرآنية في الإسلام.
تناولتْ الآيات من الآية السابعة وحتى الحادية عشر الحديث عن آداب المجالس وكيفية رفع درجات أهل العلم في مجالس المسلمين، ثمَّ أقرَّت الآيات أنّه على كلِّ مسلم يريد محادثة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فعليه أن يقدم صدقة، وعندما شقَّ الأمر على المسلمين خفَّف الله عن الناس وأمرهم بالنافلة من صلاة وزكاة وطاعة وغير ذلك، كما تناولت الآيات تحريم المناجاة بالإثم والعدوان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
أمَّا الآيات الأخيرة من سورة المجادلة فقد تحدثت عن المنافقين الذين صاحبوا اليهود ونقلوا إليه أخبار المسلمين، فنزلتْ هذه الآيات تعرِّي خبث نفوسهم وتبيِّن مصيرهم المشؤوم يوم القيامة، ثمَّ اختتمت الآيات بالحديث عن حقيقة حب المسلمين بعضهم بعضًا في الله تعالى، والبغض أيضًا في الله تعالى، وأمرت الآيات المسلمين بعدم مناصرة أعداء الإسلام والمسلمين تحت أي ظرف، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: فضل سورة الحديد
لطائف سورة المجادلة
خُتمت سورة الحديد بفضل الله، وافتتحت سورة المجادلة بما هو من ذلك، حيث سمع الله شكوى هذه المرأة، وأزال شكوى كربتها، بما بينه من حكم الظهار، وجاء في مطلع السورة السابقة ذكر صفات الله الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وأنه سبحانه {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (الحديد:4) وافتتح هذه السورة بذكر أنه تعالى سمع قول المجادِلة، التي شكت إليه تعالى.
من اللطائف التي اشتملت عليها سورة المجادلة تكرار لفظ الجلالة {الله} في جميع آيات السّورة، على خلاف باقي السّور، وعلى الرغم من وجود سور أطول من هذه السّورة لم يذكر فيها لفظ الجلالة، بعيدًا عن ذكر أحد صفاته العظيمة -سبحانه وتعالى-، وذلك لما تقتضيه مضامين الآيات من ذكر لله -جلّ في علاه-.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة المجادلة