تتميز سورة الرحمن ببديع ترتيب آياتها وأسلوبها وافتتاحها باسم “الرحمن” فهي السورة الوحيدة التي تم افتتاحها باسم من أسماء الله الحسنى، والأسلوب العربي الأصيل الذي تجلّى واضحًا في تكرار قوله “فبأيّ آلاء ربكما تكذبان” وهذا التكرار عند العرب يأتي بمعنى التأكيد على الأمر وأهميته، وتدور مقاصد سورة الرحمن حول التعرف على الله تعالى من خلال النعم.
مقاصد سورة الرحمن
تشتمل مقاصد سورة الرحمن بشكلٍ عام على بيان رحمة الله -تبارك وتعالى- بخلقه فهو من أطلق على نفسه اسم “الرحمن”، وقد اتّبع الله -تعالى- فيها أسلوب الترغيب تارةً والترهيب تارةً أخرى.
كان من أول مقاصد سورة الرحمن إثبات نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام- إذ أنّ المشركين سألوه من الرحمن الذي تريدنا أن نسجد له، فكان الجواب إلهيًّا بقوله تعالى: {الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وبأنّ الرحمن الذي يأمركم النبيّ بالسجود له هو الذي يسجد له الشمس والقمر والأنعام جميعًا، فقد قال -تعالى-: { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، مع التذكير بأنّ الرحمن الذي خلق القرآن هو الذي خلق الإنسان وعلّمه العلوم جميعًا، وأنّه خلق كلّ شيءٍ وأحسن خلقه بل وأبدع فيه.
تُوضح آيات سورة الرحمن أنّ الله -جلّ وعلا- أمر الناس بالعدل وإيتاء كلّ ذي حقٍّ حقه وذلك بقوله: { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}، وقد بيّن الله -تعالى-نعمه الكثيرة التي أنعم بها على خلقه جميعًا مما جعل من مقاصد سورة الرحمن التفكر بخلق الله وجعله سبيلًا للتقرب منه والحث على طاعته -جلّ وعلا-.
يتبين عند دراسة مقاصد سورة الرحمن أنّه -سبحانه وتعالى- ميّز المسلمين فيما بينهم وفضّل بعضهم على بعض كلٌّ حسب عمله، فمنهم من كان له جنّةٌ واحدة ومنهم من له جنّتان وذلك بقوله: { هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، مع التطرق إلى أنّ جهنّم أعدّها الله -جلّ وعلا- للكافرين خالدين فيها.
تدل آيات سورة الرحمن أنّ الله جلّ وعلا ذكر أنّ كلّ ما في الأرض وقد ذكره بالتفصيل من جبالٍ وأشجارٍ وأنهارٍ وسماواتٍ وأنعام وغير ذلك هو فانٍ زائل إلّا وجهه الكريم -تبارك وتعالى-، فقد قال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، وكان في قوله -جلّ وعلا-: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قد تطرّق أنّ كل من في الأرض والسماوات من الإنس والجن يسأله أمور شؤونه وأنّ الأمر كلّه بيده.
يُلاحظ في سورة الرحمن تكرير قوله -تعالى-: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} كثيرًا فقد تم تكريرها ثلاثًا وثلاثين مرة، وكان هذا من مقاصد سورة الرحمن أيضًا بأن آلاء الله ونعمه التي لا تُعد ولا تحصى كلها بيده وبأمره ومن خلقه فبأيّ خلقٍ ونعمةٍ منها تكذبان يا معشر الإنس والجان، وكان مقصد تكرارها هو التأكيد والتقرير والتسليم بأنّه هو خالق كلّ شيء.
وقد ختم -جلّ وعلا- سورة الرحمن بقوله: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} في مقصد التعظيم والتسبيح بعد أن ذكر الفناء والحشر ويوم العبث والعاقبة للمتقين جنات الخلد وللكافرين جهنم وبئس المصير فالملك يومئذٍ لله الخالق الواحد القهار.
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة طه
موضوعات ومضامين سورة الرحمن
احتوت السورة على أربعة موضوعات تتحدث عن آلاء ونعم الرحمان على الإنسان وهي:
- أنه علّمه القرآن والبيان، علّمه القرآن في أصل خلقته وفطرته فيعرف به المعروف وينكر المنكر، وكونه مختار لأفعاله علّمه البيان ينطق ويبين ما يريده، فبنور القرآن يرى الصراط المستقيم الذي به فوزه وسعادته، وبالبيان يظهر ما يشاء أن يظهره من مراده تبعاً لاختياره. ويبلغ عدد آيات هذا الموضوع اثنني عشرة آية.
- أنه أوجده على الدنيا وسخر له كل ما فيها وجعله مختاراً لأفعاله ضمن حدود قدر الله وأسباب الحق فلا يتعدى إلى الباطل حتى لا يتعرّض للعقاب. ويبلغ عدد آيات هذا الموضوع ثلاث عشرة آية.
- أنه جعل له اليوم الآخر مقرّاً للسعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي كل إنسان بما عمل أو كسبته يداه في حياته الدنيا وبما اختاره لنفسه. ويصل عدد آيات هذا الجزء اثنتين وعشرين آية.
- أنه في هذه الدنيا وقبل فوات الأوان يكرر لهم الرحمان (طرداً للغفلة تأكيداً للحجّة) مرّات ومرّات أنهم في نعيم وآلاء عظيمة (يعيشونها بأجسامهم وقلوبهم وعقولهم) فلا يكذبوا فيهلكوا بلا سبب سوى عدم قبول الحق ونكران النعمة واحتقار الناس تكبراً بالنعمة ذاتها، ويُعتبر هذا الجزء هو الأكبر في السورة حيث يصل عدد آياته إحدى وثلاثين آية.
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة مريم
لطائف سورة الرحمن
تكثر لطائف سورة الرحمن ومن ذلك مناسبتها لسورة (القمر) التي سبقتها، حيث أنها مُفَصِّلَةٌ لما أُجمل في آخرها، فلما قال سبحانه في آخر ما قبلها {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} (القمر:46) ثم وصف سبحانه حال المجرمين في سقر وحال المتقين {في جنات ونهر} (القمر:54) فصَّل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في هذا الإجمال.
تضمنت سورة الرحمن بوصف مرارة الساعة، ثم وصف النار وأهلها، ولذا قال سبحانه: {يعرف المجرمون بسيماهم} (الرحمن:41) ولم يقل: الكافرون، أو نحوه؛ لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: {إن المجرمين في ضلال وسعر} (القمر:47) ثم وصف الجنة وأهلها، ولذا قال تعالى فيها: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن:46) وذلك هو عين التقوى، ولم يقل: لمن آمن، أو أطاع، أو نحوه، لتوافق الألفاظ في التفصيل، ويُعْرَف بما ذُكِر أن هذه السورة شرح لآخر السورة قبلها”.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الرحمن