مقاصد سورة الذاريات

سورة الذاريات إحدى سور القرآن الكريم التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وتقع السورة في الحزب الثالث والخمسين وفي الجزء السابع والعشرين، رقم ترتيبها في المصحف الشريف واحد وخمسون وعدد آياتها ستون آية، سمِّيَت سورة الذاريات بهذا الاسم لأنَّ الله أقسم في بدايتها بالذاريات، وتدور مقاصد سورة الذاريات حول تشييد دعائم الإيمان وتوجيه الأبصار إلى قدرة الواحد القهار وبناء العقيدة الراسخة على أسس التقوى والإيمان.

مقاصد سورة الذاريات

مقاصد سورة الذاريات

تبدأ سورة الذاريات مشيرة ببديع كلام الله تعالى إلى بديعِ صنعه وخلقه، فيقسمُ الله بالرياح والسحب وغيرها دلالةً على عظَمِ هذه الآيات التي صنعها الله تعالى، قال تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}.

تعرِّجُ الآيات بعد ذلك على أنَّ الكفَّار لن يكونَ لهم استقرارٌ ولا ثباتٌ، فهم في حيرتهم يتقلَّبون بين الكذب والأباطيل، وأخبرهم الله أنَّ العذاب سيأتيهم لا محالة، قال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}، وأنَّهم سينالون جزاءهم بنار جهنَّم التي كانوا يكِّبونَ بوجودها في حياتهم الدنيا.

ومن مقاصد سورة الذاريات أيضًا أنَّها تصفُ المؤمنين الذين يداومون على ذكر الله تعالى ولا يغفلون عنه، وتعدِّد الآيات بعض صور الإحسان الذي يقومون به، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.

تدعو السورة المسلمين إلى النظر في الأرض وما فيها من آيات وفي النفس وما فيها من أسرار، وكلُّ ذلك أدلة على قدرة الله -جلّ وعلا-، قال جلَّ من قائل: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.

تشير بعد ذلك إلى جانب من قصةِ نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وقصَّة نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- معَ فرعون وبني إسرائيل، وتذكرُ حادثة غرق فرعون وجنوده في البحر، قال تعالى: {وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}، وتتحدُّث عن قوم عاد وثمود وعن أحد جوانب قصة نبيِّ الله نوح -عليه السلام-.

في نهاية الآيات تشير إلى تكذيب كفار مكة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتأمر النبيَّ أن لا يلتفتَ إلى أقوالهم وأفعالهم ويُعرضَ عنهم بالكلية، قال تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، وفي الختام توضِّحُ الغاية من خلقِ الإنسان والجان، وترسلُ تهديدًا ووعيدًا من الله تعالى للكافرين بعذابٍ مثل الذين هلكوا قبلهم وذاقوا وبال أمرهم وكانت عاقبتهم الخسران.

اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة الذاريات

موضوعات ومضامين سورة الذاريات

تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاثة أقسام من الآيات: القسم الأول هو في الآيات (1-23) يقسم الحق تعالى على صدق كل ما يعدهم به الرسول عليه الصلاة والسلام وذكر في القرآن من الرزق والجزاء على العبادة والأعمال وأن يوم الحساب لا شك قادم وواقع. وأن رزقهم على الله، وهم محتاجون إليه وهو ليس بحاجة لأحد. ثم أن الناس مختلفون فئتين فئة لا تتدبر فتعتبر بالآيات فهي مصروفة عنها يتخبطون في الباطل ومصيرهم النار وفئة موقنة مصدقة بالآيات تدبرت بما فيها واعتبرت وعملت بها في الدنيا فأفلحت ومصيرها الجنة.

يبدأ القسم الثاني من الآية الرابعة والعشرين إلى الآية السادسة والأربعين، وهذا القسم فيه قصص عن خمسة من الأمم، وهذه القصص هي خير دليل على صدق وعد الله الذي جاء به المرسلين، وهو ما يؤكد مقصد السورة عن أن الحساب والجزاء قادم، وترون آثاره بتكريم الله لرسله ومن آمن معهم وبهلاك الأمم المكذبة، وهو عظة لمن يتعظ بأنه كما صدق الوعد في الدنيا فسيصدق في الآخرة.

كما تؤكد القصص بأن كل شيء من السماء وليس من الأرض وأن الأرض إنما هي وسيلة، قد جعلت فيها الأسباب فقط. ففي قصة إبراهيم عليه السلام نجد أن نفس المرسلين جاؤوا من السماء بأمر من الله بالبشارة والخير لإبراهم وبالعذاب للمجرمين. وكذلك الأنبياء والمرسلين يرسلهم الله بأمر من السماء بالهدى للناس على الأرض، ويرسل عليهم العذاب بأمر من السماء وبالأسباب على الأرض.

يُعتبر القسم الثالث من السورة وهو الآيات (47-60) إعادة تلخيص مقصد السورة وموضوعاتها، ببيان عظيم قدرة الله على الخلق واتساع خلقه وتواصل مدده وفضله بلا انقطاع، هو الذي خلق من كل شيء زوجين لا غنى لها عن بعض، أما هو فليس بحاجة إلى الشريك ولا إلى أحد من خلقه، وخلق الجنّ والإنس ليعبدوه، وما يصيبهم فبما كسبت أيدهم، وجعل لهم موعداً للحساب على الأعمال.

موضوع السورة وأسلوبها يشير بوضوح إلى أنها نزلت في الفترة التي بدأت فيها الدعوة تقابل بالسخرية والإنكار، إلا أن ذلك لم يصل إلى حالة العناد والاتهامات الباطلة والمضايقة. لهذا فإنه يبدوا أن هذه السورة نزلت في نفس المرحلة التي نزلت فيها سورة قّ؛ لذلك قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما خُتمت ‏{‏ق}‏ بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك من أحوال القيامة افتتح سورة الذاريات بالإقسام على أن ما توعدون من ذلك لصادق وإن الدين، وهو الجزاء، لواقع ونظير ذلك‏:‏ افتتاح المرسلات بذلك بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة الإنسان.

سورة الذاريات بالنسبة لسورة ق هي مثل الفتح بالنسبة لمحمّد. فكما كان الفتح (في سورة الفتح) هو النتيجة الحتميّة للقتال (في سورة محمد)، فإن وقوع الدين (في سورة الذاريات) وهو يوم الحساب هو النتيجة الأكيدة للإنذار بالبعث (في سورة ق). الدين يعني يوم الدين، يوم الجزاء على الأعمال لواقع وحادث لا شكّ فيه.

اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الروم

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version