تقع سورة محمد في الحزب الواحد والخمسين وفي الجزء السادس والعشرين من كتاب الله تعالى، يبلغ عدد آيات السورة ثمان وثلاثين آية وهي السورة السابعة والأربعين في ترتيب المصحف، تكثر مقاصد سورة محمد كما تمتاز بالعديد من الموضوعات والهدايات.
مقاصد سورة محمد
تتمثل معظم مقاصد سورة محمد في التحريض على قتال المشركين، وترغيب المسلمين في ثواب الجهاد. وقد افتتحت بما يثير حنق المؤمنين على المشركين؛ لأنهم كفروا بالله، وصدوا عن سبيله، أي دينه. فالقتال هو موضوع السورة؛ فهي تبدأ ببيان حقيقة الذين كفروا، وحقيقة الذين آمنوا في صيغة هجوم أدبي على الذين كفروا، وتمجيد كذلك للذين آمنوا، مع إيحاء بأن الله عدو للأولين، وليٌّ للآخَرين، وأن هذه حقيقة ثابتة في تقدير الله سبحانه. فهو إذن إعلان حرب منه تعالى على أعدائه وأعداء دينه منذ اللفظ الأول في السورة.
تتنظم مقاصد سورة محمد تفصيلًا في:
- بيان أن الله أبطل أعمال الكافرين لإعراضهم عن الحق واتباع الباطل، والوقوف في وجه الدعوة؛ ليصدوا الناس عن دين الله، وأنه سبحانه كَفَّر عن المؤمنين سيئاتهم؛ لأنهم نصروا الحق، وسلكوا طريقه، واتبعوا ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك كفالة للمؤمنين بالنصر على أعدائهم.
- التأكيد على وجوب الدفاع عن الحق، وما يتطلبه ذلك عند لقاء الكفار في بدء المعركة ونهايتها، وذكرت جزاء من قُتل في سبيل الله.
- وعْد المجاهدين بالجنة، وأمر المسلمين بمجاهدة الكفار، وأن لا يدعوهم إلى السلم، وإنذار المشركين بأن يصيبهم ما أصاب الأمم المكذبين من قبلهم.
- تحذير كفار مكة سوء المصير، فضربت لهم الأمثال بالطغاة المتجبرين من الأمم السابقة، وبينت أن الله دمَّر عليهم بسبب إجرامهم وطغيانهم: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}، ثم ذكرت جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وعاقبة الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، وأشارت إلى أن سنة الله إهلاك القرى الظالمة التي هي أشد من قريتك التي أخرجتك {فلا ناصر لهم}.
- استعراض ما أعده الله من نعيم في الجنة وأن هذا النعيم لعباده المؤمنين الذين آمنوا بالرسالات الربانية، كما تتناول الآيات وصف للعذاب الذي يلقاه الكافرون في النار.
- وصف المنافقين وحال اندهاشهم، إذا نزلت سورة فيها الحض على القتال، وقلة تدبرهم القرآن، وموالاتهم المشركين، وتهديدهم بأن الله ينبئ رسوله صلى الله عليه وسلم بسيماهم، وتحذير المسلمين من أن يروج عليهم نفاق المنافقين.
- إظهار أن الذين صدوا عن سبيل الله، وشاقوا الرسول من بعد ما وضح الحق وتبين الهدى لن يضروا الله شيئاً، وسيحبط أعمالهم، وأنهم إذا ماتوا وهم كفار، فلن يغفر الله لهم.
- الإشارة إلى وَعْد المسلمين بنوال التمكين، والتحذير إن صار إليهم الأمر من الفساد في الأرض، وقطيعة الرحم، وذمت البخلاء في الإنفاق، وبينت استغناء الحق عن الخلق، وفَقْر الخلق إلى الحق في قوله سبحانه: {والله الغني وأنتم الفقراء}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الشورى
موضوعات ومضامين سورة محمد
ابتدأت السورة الكريمة بإعلان حرب سافرة على الكفار أعداء الله ورسوله الذين حاربوا دينه وذلك للتحذير من اتباع سبيلهم وللاعتبار من قصصهم، وذلك من قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ {1}) إلى قوله تعالى : (…كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ {3})
أمرت الآيات المؤمنين بقتال الكافرين وحصدهم بسيوف المجاهدين لتطهير الأرض من رجسهم حتى لا تبقى لهم شوكة ولا قوّة، ودعت إلى أسرهم، ثم بيّنت طريق العزة والنصر ووضعت الشروط لنصرة الله لعباده المؤمنين وذلك بالتمسك بشريعته ونصرة دينه، وضربت لكفار مكة الأمثال بالطغاة المتجبرين من الأمم السابقة وكيف دمر الله عليهم بسبب طغيانهم، قال تعالى: ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ … {4}) إلى قوله تعالى : ( .. وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ {15}).
تحدثت السورة عن الجنة ونعيمها ثم تحدثت بإسهاب عن صفات المنافقين باعتبارهم الخطر الداهم على الإسلام والمسلمين، فكشفت عن مساوئهم ومخازيهم ليحَذَرهم الناس، قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ… {16})إلى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ {34}).
خُتمت السورة الكريمة بدعوة المؤمنين إلى سلوك طريق العزة والنصر بالجهاد في سبيل الله، وعدم الضعف أمام قوى البغي والشر ، محذرة من الدعوة إلى الصلح مع الأعداء، فالدنيا زائلة وما عند الله خير و أبقى، وذلك من قوله تعالى: ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ {35}) إلى قوله تعالى : ( … وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {38}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة يس
لطائف سورة محمد
اشتملت سورة محمد على بعض اللطائف القرآنية ومن ذلك قوله -تعالى-: {ومغفرة من ربهم}، حيث أُضيفت النعم بعد الوصف مع أن المغفرة سابقة لهذه النعم، وتفسير ذلك أن الواو لا توجب الترتيب في الإخبار، وإفاضة النعم لا تستلزم الستر معها؛ لذلك ذكر -سبحانه- أنه مع ذلك، فقد ستر عليهم ما اقترفوه من ذنوب.
جاء في سورة محمد قولت تعالى: {لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة}، فإن كلا من الفعلين نزل وأنزل متعد، وقيل إن الفعل نزل يستخدم لغرضي التعدي والمبالغة، أما الفعل أنزل فيستخدم للتعدي فقط، كما قيل إن نزل يستخدم عند قصد النزول على شكل دفعة، أما أنزل فعند إرادة النزول متفرقا.
أما الأولى فقد خصها -سبحانه وتعالى- ب “نزلت”؛ لأنه من كلام المؤمنين، وذكر بلفظ المبالغة، فقد كانوا يأنسون عند نزول الوحي، ويستوحشون حالة إبطائه، بينما في قوله -تعالى- في أول السورة: {نزل على محمد}، ثم قال بعدها {أنزل الله}، وفي قوله -تعالى-: {من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم}، فإن هذه الآية قد نزلت في اليهود، وبعدها قوله -تعالى-: {من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا}، فقد نزلت في قوم ارتدوا وليس ذلك بتكرار.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة محمد